للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى الباب عن علىٍّ، وابنِ عباسٍ، وجابرٍ، وسُرَّقٍ (٩). وقال النَّسائِىُّ (١٠): إسْنادُ حديثِ ابنِ عباسٍ فى اليَمِينِ مع الشاهدِ إسْنادٌ جَيِّدٌ. ولأنَّ اليَمِينَ تُشْرَعُ فى حقِّ مَن ظهرَ صدقُه، وقَوِىَ جانِبُه، ولذلك شُرِعَتْ فى حقِّ صاحبِ اليَدِ لقُوَّةِ جَنَبَتِه بها، وفى حقِّ المُنْكِرِ لِقُوَّةِ جَنَبتِه، فإنَّ الأصلَ بَراءةُ ذِمَّتِه، والمُدَّعِى هاهُنا قد ظهرَ صِدْقُه، فوجبَ أن تُشْرَعَ اليَمينُ فى حقِّه. ولا حجَّةَ لهم فى الآيةِ؛ لأنَّها دلَّتْ على مَشْروعيَّةِ الشاهِدَيْن، والشَّاهدِ والمرأتَيْنِ، ولا نِزاعَ فى هذا. وقولُهم: إنَّ الزِّيادةَ فى النَّصِّ نَسْخٌ. غيرُ صحيحِ؛ لأنَّ النَّسْخَ الرَّفعُ والإزالَةُ، والزِّيادةُ فى الشىءِ تقريرٌ له، لا رَفْعٌ، والحُكْمُ بالشَّاهدِ واليَمِينِ لا يَمْنَعُ الحُكمَ بالشاهدَيْنِ، ولا يَرْفعُه، ولأنَّ الزيادةَ لو كانتْ متَّصلةً بالمَزِيدِ عَليه لم ترْفَعْه، ولم تكُنْ نَسْخًا، فكذلك إذا انْفصَلَتْ عنه، ولأنَّ الآيةَ واردةٌ فى التَّحَمُّلِ دون الأَداءِ، ولهذا قال: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (١١). والنِّزاعُ فى الأداءِ، وحديثُهم ضعيفٌ، وليس هو للحَصْرِ؛ بدليلِ أنَّ اليَمِينَ تُشْرع فى حقِّ المُودَعِ إذا ادَّعَى رَدَّ الوَديعةِ وتَلَفَها، وفى حقِّ الأُمَناءِ لظُهورِ جانِبِهم (١٢)، وفى حقِّ المُلاعِنِ، وفى القَسامَةِ، وتُشْرَعُ فى حقِّ البائعِ والمُشْترِى إذا اخْتلَفا فى الثَّمنِ والسِّلْعةُ قائمةٌ. وقولُ محمدٍ فى نَقضِ قَضاءِ مَن قَضَى بالشَّاهدِ واليَمينِ، يَتضمَّنُ القولَ بنَقْضِ قضاءِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والخلفاءِ الذين قضَوا به، وقد قال اللهُ تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (١٣). والقضاءُ بما قضَى به محمدُ بنُ عبدِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أوْلَى من قضاءِ محمدِ بنِ الحسنِ المُخالِفِ له.

فصل: قال القاضى: يجوزُ أن يَحْلِفَ على ما لا تَسُوغُ الشَّهادةُ عليه؛ مثل


(٩) فى ب، م: "مسروق" تحريف. وانظر: عارضة الأحوزى ٦/ ٩٠، ونصب الراية ٤/ ١٠٠.
(١٠) فى السنن الكبرى. انظر: تحفة الأشراف ٥/ ١٨٧.
(١١) سورة البقرة ٢٨٢.
(١٢) فى أ، ب، م: "جنايتهم".
(١٣) سورة النساء ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>