للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّدَّ؛ لأنَّ الأَمْرَ يَقْتَضِى السَّلَامةَ، فأَشْبَهَ ما لو وَكَّلَهُ في شِرَاءِ مَوْصُوفةٍ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَمْلِكَ الرَّدَّ؛ لأنَّ المُوَكِّلَ قَطَعَ نَظَرَهُ بالتَّعْيِينِ، فربَّما رَضِيَهُ على جَمِيعِ صِفَاتِه. وإن عَلِمَ عَيْبَهُ قبل شِرَائِه، فهل له شِرَاؤُه؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أيضًا، مَبْنِيَّيْنِ على رَدِّه إذا عَلِمَ عَيْبَه بعد شِرَائِه. إن قُلْنا: يَمْلِكُ رَدَّه. فليس له شِرَاؤُه؛ لأنَّ العَيْبَ إذا جَازَ به الرَّدُّ بعدَ العَقْدِ فَلأَنْ يَمْنَعَ من الشِّرَاءِ أَوْلَى. وإن قُلْنا: لا يَمْلِكُ الرَّدَّ ثَمَّ. فله الشِّرَاءُ ههُنا؛ لأنَّ تَعْيِينَ المُوَكِّلِ قَطَعَ نَظَرَهُ واجْتِهَادَه في جَوَازِ الرَّدِّ، فكذلك في الشِّرَاءِ.

فصل: وإذا اشْتَرَى الوَكِيلُ لِمُوَكِّلِه شيئا بإِذْنِه، انْتَقَلَ المِلْكُ من البائِعِ إلى المُوَكِّلِ، ولم يَدْخُلْ في مِلْكِ الوَكِيلِ. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَدْخُلُ في مِلْكِ الوَكِيلِ، ثم يَنْتَقِلُ إلى المُوَكِّلِ؛ لأنَّ حُقُوقَ العَقْدِ تَتَعَلَّقُ بالوَكِيلِ، بِدَلِيلِ أنَّه لو اشْتَراهُ بأَكْثَرَ من ثَمَنِه دَخَلَ في مِلْكِه، ولم يَنْتَقِلْ إلى المُوَكِّلِ. ولَنا، أنَّه قبِلَ عَقْدًا لغيرِه صَحَّ له، فوَجَبَ أن يَنْتَقِلَ المِلْكُ إليه، كالأَبِ والوَصِىِّ, وكما (٤٧) لو تَزَوَّجَ له. وقولُهم: إن حُقُوقَ العَقْدِ تَتَعَلَّقُ به. غير مُسَلَّمٍ. وَيتَفَرَّعُ عن هذا أنَّ المُسْلِمَ لو وَكَّلَ ذِمِّيًّا في شِرَاءِ خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ، فاشْتَرَاهُ له، لم يَصِحَّ الشِّرَاءُ. وقال أبو حنيفةَ: يَصِحُّ، ويَقَعُ لِلذِّمِّىِّ؛ لأنَّ الخَمْرَ مالٌ لهم، لأنَّهم يَتَمَوَّلُونَها ويَتَبَايَعُونَها، فصَحَّ (٤٨) تَوْكِيلُهُم فيها كسَائِر أَمْوَالِهِم. ولَنا، أنَّ كلَّ ما لا يجوزُ لِلْمُسْلِمِ العَقْدُ عليه، لا يجوزُ أن يُوَكِّلَ فيه، كتَزَوُّجِ (٤٩) المَجُوسِيَّةِ. وبهذا خالَفَ سائِرَ أمْوَالِهِم. وإذا باعَ الوَكِيلُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، ثَبَتَ المِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ في الثَّمَنِ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ المَبِيعِ. وإن كان الثمَنُ في الذِّمَّةِ، فلِلْوَكِيلِ والمُوَكِّلِ المُطَالَبَةُ به. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: ليس لِلْمُوَكِّلِ المُطَالَبَةُ؛ لأنَّ حُقُوقَ العَقْدِ تَتَعَلَّقُ بالوَكِيلِ دُونَه، ولهذا يَتَعَلَّقُ مَجْلِسُ الصَّرْفِ والخِيَارِ به دون مُوَكِّلِه، فكذلك القَبْضُ. ولَنا، أنَّ هذا دَيْنٌ لِلْمُوَكِّلِ يَصِحُّ قَبْضُه له، فمَلَكَ


(٤٧) سقطت الواو من: الأصل.
(٤٨) في ب: "فيصح".
(٤٩) في أ، ب، م: "كتزويج".

<<  <  ج: ص:  >  >>