للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على صاحِبِ الدَّابَّةِ الضَّمانُ، إذا كان راكِبًا لها، أو قائِدًا، أو سائِقًا لها؛ لأنَّه تَلَفٌ حَصَلَ من جِهَةِ دابَّتِه التي يَدُه عليها، فأشْبَهَ ما لو جَنَتْ بِيَدِها أو فَمِها. وقياسُ المذهبِ، أنَّه لا يَضْمَنُ ما تَلِفَ بذلك؛ لأنَّه لا يَدَ له على ذلك، ولا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، فلم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به، كما لو أتْلَفَتْ (٦١) برِجْلِها، وكما لو لم يَكُنْ له يَدٌ عليها، ويُفارِقُ هذا ما أتْلَفَتْ بِيَدِها وفَمِها؛ لأنَّه يُمْكِنُه حِفْظُهُما.

فصل: وإذا وضَعَ جَرَّةً على سَطْحِه أو حائِطِه، أو حَجَرًا، فرَمَتْه الرِّيحُ على إنسانٍ، فقَتَلَه، أو شيءٍ أتْلَفَه، لم يَضْمَنْ؛ لأنَّ ذلك من غيرِ فِعْلِه، ووَضْعُه له كان في مِلْكِه. ويَحْتَمِلُ أن يَضْمَنَ إذا وضَعَها مُتَطَرِّفةً؛ لأنَّه تَسَبَّبَ (٦٢) إلى إلْقائِها، [وتَعَدَّى بوَضْعِها] (٦٣)، فأشْبَهَ مَنْ بَنَى حائِطه مائلًا.

فصل: وإن سَلَّمَ ولَدَه الصغيرَ إلى السَّابِحِ، ليُعَلِّمَه السِّباحَةَ، فغَرِقَ، فالضَّمانُ على عاقلةِ السَّابِحِ؛ لأنَّه سَلَّمه إليه ليَحْتاطَ في حِفْظِه، فإذا غَرِقَ نُسِبَ إلى التَّفْرِيطِ في حِفْظِه. وقال القاضي: قياسُ المَذْهَبِ أن لا يَضْمَنَه؛ لأنَّه فَعَلَ ما جَرَتِ العادةُ به لمَصْلَحتِه، فلم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به، كما إذا ضَرَبَ المعلِّمُ الصَّبِىَّ ضَرْبًا مُعْتادًا، فتَلِفَ به. فأمَّا الكبيرُ إذا غَرِقَ، فليس على السَّابحِ شيءٌ إذا لم يُفَرِّطْ، لأنَّ الكبيرَ في يَدِ نَفْسِه، لا يُنْسَبُ التَّفْرِيطُ في هَلاكِه إلى غيرِه.

فصل: وإذا طَلَبَ إنْسانًا بسَيْفٍ مَشْهُورٍ (٦٤)، فهَرَبَ منه، فتَلِفَ في هَرَبِه، ضَمِنَه، سواءٌ وقعَ من شاهِقٍ، أو انْخَسَفَ به سَقْفٌ، أو خَرَّ في بِئرٍ، أو لَقِيَه سَبْعٌ فافْتَرَسَه، أو غَرِقَ في ماءٍ، أو احْتَرقَ بِنَارٍ، وسواءٌ كان المَطْلُوبُ صَبِيًّا أو كبيرًا، أعْمَى أو بَصِيرًا، عاقِلًا أو مجنونًا. وقال الشافعيُّ: لا يَضْمَنُ البالِغَ العاقِلَ البَصِيرَ، إلَّا أن


(٦١) في ب، م: "أتلف".
(٦٢) في ب، م: "نسب".
(٦٣) في الأصل: "ووضعها".
(٦٤) مشهور؛ من شَهَر السيفَ إذا سلَّه ليضرب به.

<<  <  ج: ص:  >  >>