للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (٤٠). فجعل الحرامَ يَمِينًا. ومعنى قولِه: نَوَى يمينًا -واللَّه أعلم- أنَّه نَوَى بقوله: أنتِ علىَّ حرامٌ. تَرْكَ وَطْئِها، واجْتنابَها، وأقامَ ذلك مُقامَ قولِه: واللَّهِ لا وَطِئْتُك.

فصل: وإن قال: أنتِ علىَّ حرامٌ. أعنى به الطَّلاقَ. فهو طلاق. رَوَاه الجماعةُ عن أحمدَ. ورَوَى عنه أبو عبدِ اللَّه النَّيْسَابُورِىُّ (٤١)، أنَّه قال (٤٢): إذا قال: أنتِ علىَّ حرامٌ، أُريدُ به الطَّلاقَ. كنتُ أَقولُ: إنَّها طَلاقٌ (٤٣)، يُكَفِّرُ كفَّارةَ الظِّهارِ. وهذا كأنَّه رُجوعٌ عن قولِه: إنَّه طَلاقٌ. ووَجْهُه أنَّه صَرِيحٌ فى الظِّهارِ، فلم يَصِرْ طلاقًا بقوله: أُريدُ به الطَّلاقَ. كما لو قال: أنتِ علىَّ كظَهْرِ أُمِّى، أعْنِى به الطَّلاقَ. قال القاضى: ولَكِنْ جماعةُ أصحابِنا على أنَّه طَلاقٌ. وهى الرِّوايةُ المشهورةُ التى روَاها عنه الجماعةُ؛ لأنَّه صَرَّحَ بلفظِ الطَّلاقِ، فكان طلاقًا، كما لو ضربَها، وقال: هذا طلاقُكِ. وليس هذا صريحًا فى الظِّهارِ، إنَّما هو صريحٌ فى التَّحْريمِ، والتَّحْريمُ يَتَنوَّعُ إلى تَحْريمٍ بالظِّهارِ، وإلى تحريمٍ بالطَّلاقِ، فإذا بيَّن بلَفْظِه إرادةَ تحريمِ الطَّلاقِ، وَجَبَ صرفُه إليه، وفارقَ قولَه: أنتِ علىَّ كظهْرِ أُمِّى. فإنَّه صريحٌ فى الظِّهارِ، وهو تَحْريمٌ لا يَرْتَفِعُ إلَّا بالكفَّارةِ، فلم يُمْكِنْ جعلُ ذلك طلاقًا، بخلافِ مَسْألتِنا. ثم إن قال: أعْنِى به الطَّلاقَ. أو نَوَى به ثلاثًا، فهى ثلاث. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه أتَى بالألفِ واللَّامِ التى للاسْتِغْراقِ، تفسيرًا للتَّحْريمِ، فيَدخُلُ فيه الطَّلاقُ كلُّه، وإذا نَوَى الثَّلاثَ فقد نَوَى بلَفْظِه ما يَحْتَمِلُه مِنَ الطَّلَاقِ، فوقَعَ، كما لو قال: أنتِ بائنٌ. وعنه: لا يَكونُ


(٤٠) سورة التحريم ١، ٢.
(٤١) أبو عبد اللَّه بن محمد بن يحيى الذهلى النيسابورى، حدث عن الإمام أحمد بأشياء. طبقات الحنابلة ١/ ٣٢٧.
(٤٢) سقط من: أ.
(٤٣) فى أ، ب، م: "طالق".

<<  <  ج: ص:  >  >>