للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَغَ من سَعْيِهِ، جاءَ حتَّى يُحَاذِىَ الرُّكْنَ بينَه وبينَ السَّقِيفَةِ، فصَلَّى رَكْعَتَيْهِ في حاشِيَةِ المَطَافِ، وليس بينَه وبينَ الطُّوَّافِ أحَدٌ. (٥٧) وقال ابنُ أبي عَمَّار (٥٨): رأيتُ ابنَ الزُّبَيْرِ جاءَ يُصَلِّى، والطُّوَّافُ بينه وبين القِبْلَةِ، تَمُرُّ المَرْأةُ بينَ يديْه، فينتظرُها (٥٩) حتى تَمُرَّ، ثم يَضَعُ جَبْهَتَهُ في مَوْضِعِ قَدَمِهَا (٦٠). رَوَاهُ حَنْبَلٌ، في كِتَابِ "المَنَاسِكِ". وقال المُعْتَمِرُ، قلتُ لِطَاوُسٍ: الرَّجُلُ يُصَلِّى - يعنِى بمَكَّةَ - فيَمُرُّ بينَ يديْه الرَّجُلُ والمَرْأةُ؟ فقال: أوَلا يَرَى الناسُ بَعْضُهم بَعْضًا. وإذا هو يَرَى أنَّ لهذا البَلَدِ حالًا ليس لِغَيْرِه من البُلْدَانِ، وذلك لأنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ بمَكَّةَ لأجْلِ قَضَاءِ نُسُكِهِم، ويَزْدَحِمُونَ فيها، ولذلك سُمِّيَتْ بَكَّةَ، لأنَّ الناسَ يَتَبَاكُّونَ فيها، أي: يَزْدَحِمُونَ ويَدْفَعُ بَعْضُهم بَعْضًا، فلو مَنَعَ المُصَلِّى مَنْ يَجْتَازُ بين يَدَيْهِ لَضاقَ على النَّاسِ، وحُكْمُ الحَرَمِ كلِّه حُكْمُ مَكَّةَ في هذا، بِدَلِيلِ ما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، قال: أقْبَلْتُ رَاكِبًا على حِمَارٍ أَتَانٍ، والنَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّى بالنَّاسِ بمِنًى إلى غيرِ جِدَارٍ. مُتَّفَقٌ عليه (٦١). ولأنَّ الحَرَمَ كُلَّه مَحَلُّ المَشاعِرِ والمَناسِكِ، فجَرَى مَجْرَى مَكَّةَ في ما ذَكَرْنَاه.

فصل: ولو صَلَّى في غيرِ مَكَّةَ إلى غيرِ سُتْرَةٍ، لم يكنْ به بَأْسٌ، لِما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، قال: صَلَّى النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في فَضاءٍ ليس بين يَدَيْهِ شىْءٌ. رَوَاه


= النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلى مما يلى باب بنى سهم، والناس يمرون بين يديه، وليس بينهما سترة. قال سفيان: ليس بينه وبين الكعبة سترة.
(٥٧) أخرجه ابن ماجه، في: باب الركعتين بعد الطواف، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٨٦.
(٥٨) في مصنف عبد الرزاق ٢/ ٣٥: "عن أبي عامر".
وهو عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي عمار المكي القرشي، كان يلقب بالقس لعبادته، انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ٦/ ٢١٣.
(٥٩) في أ، م: "فينظرها".
(٦٠) أخرجه عبد الرزاق، في: باب لا يقطع الصلاة شيء بمكة، من كتاب الصلاة. المصنف ٢/ ٣٥.
(٦١) تقدم في صفحة ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>