للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحُكْمِ بحالٍ، وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه مَحْجُورٌ عليه، لِعَدَمِ رُشْدِه، فلم يَلْزَمْهُ حُكْمُ إقْرَارِه بعدَ فَكِّ الحَجْرِ عنه، كالصَّبِىِّ والمَجْنُونِ. ولأنَّ المَنْعَ من نُفُوذِ إقْرَارِه فى الحال، إنَّما ثَبَتَ لِحِفْظِ مَالِه عليه، ودَفْعِ الضَّرَرِ عنه، فلو نَفَذَ بعدَ فَكِّ الحَجْرِ، لم يُفِدْ إلَّا تَأْخِيرَ الضَّرَرِ عليه إلى أكْمَل حَالَتَيْهِ. وفَارَقَ المَحْجُورَ عليه لِحَقِّ غيرِه، فإنَّ المانِعَ تَعَلُّقُ حَقِّ الغيرِ بمَالِه، فيَزُولُ المانِعُ بِزَوَالِ الحَقِّ عن مَالِه، فيَثْبُتُ مُقْتَضَى إقْرَارِه. وفى مَسْأَلَتِنَا انْتَفَى الحُكْمُ لِخَلَلٍ فى الإِقْرَارِ، فلم يَثْبُتْ كَوْنُه سَبَبا، وبِزَوَالِ الحَجْرِ لم يَكْمُلِ السَّبَبُ، فلا يَثْبُتُ الحُكْمُ مع اخْتِلَافِ السَّبَبِ، كما لم يَثْبُتْ قبلَ فَكِّ الحَجْرِ. ولأنَّ الحَجْرَ لِحَقِّ الغَيْرِ لم يَمْنَعْ تَصَرُّفَهم فى ذِمَمِهم، فأمْكَنَ تَصْحِيحُ إقْرَارِهِم فى ذِمَمِهم على وَجْهٍ لا يَضُرُّ بِغَيْرِهِم، بأن يَلْزَمَهم بعدَ زَوَالِ حَقِّ غيرِهِم (٤)، والحَجْرُ هاهُنا لِحَظِّ نَفْسِه، من أجْل ضَعْفِ عَقْلِه، وسُوءِ تَصَرُّفِه، ولا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ إلَّا بإِبْطَالِ إقْرَارِه بالكُلِّيَّةِ، كالصَّبِىِّ والمَجْنُونِ. فأمَّا صِحَّتُه فيما بينَه وبين اللهِ تعالى، فإن عَلِمَ صِحَّةَ ما أقَرَّ به، كَدَيْنٍ لَزِمَهُ من جِنَايَةٍ، أو دَيْنٍ لَزِمَهُ قبلَ الحَجْرِ عليه، فعليه أدَاؤُه؛ لأنَّه عَلِمَ أنَّ عليه حَقًّا، فَلَزِمَهُ أدَاؤُه، كما لو لم يُقِرَّ به. وإن عَلِمَ فَسَادَ إقْرَارِه، مثل أن عَلِمَ أنَّه أقرَّ بِدَيْنٍ ولا دَيْنَ عليه، أو بِجِنَايَةٍ لم تُوجَدْ منه، أو أقَرَّ بما لا يَلْزَمُه، مثل إن أَتْلَفَ مَالَ مَنْ دَفَعَهُ إليه بِقَرْضٍ أو بَيْعٍ، لم يَلْزَمْهُ أدَاؤُه؛ لأنَّه يَعْلَمُ أنَّه لا دَيْنَ عليه، فلم يَلْزَمْهُ شىءٌ، كما لو لم يُقِرَّ به.

فصل: إذا أَذِنَ وَلِىُّ السَّفِيهِ له فى البَيْعِ والشِّرَاءِ، فهل يَصِحُّ منه؟ على وَجْهَيْنِ؛ أحَدِهما، يَصِحُّ؛ لأنَّه عَقْدُ مُعَاوَضَة، فَمَلَكَهُ بالإِذْنِ، كالنِّكَاحِ. ولأنَّه عَاقِلٌ مَحْجُورٌ عليه، فصَحَّ تَصَرُّفُه بالإِذْنِ فيه كالصَّبِىِّ. يُحَقِّقُ هذا أنَّ الحَجْرَ على الصَّبِىِّ أَعْلَى (٥) من الحَجْرِ عليه، ثُمَّ يَصِحُّ تَصَرُّفُه بالإِذْنِ، فهاهُنا أَوْلَى. ولأَنَّا لو مَنَعْنَا


(٤) فى م: "غيره".
(٥) فى الأصل: "أو على".

<<  <  ج: ص:  >  >>