للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوَّل: أنَّه متى (٢) تزوَّجَ كبيرةً وصَغِيرةً، فأَرْضَعَتِ الكبيرةُ الصَّغيرةَ قبلَ دُخُولِه بها، فَسَدَ نكاحُ الكبيرةِ في الحالِ، وحَرُمَتْ على التَّأْبيدِ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأَصْحابُ الرَّأْىِ. وقال الأوْزَاعِىُّ: نكاحُ الكبيرةِ ثابتٌ، وتُنْزَعُ منه الصغيرةُ. وليس بصحيحٍ؛ فإنَّ الكبيرةَ صارتْ من أُمَّهاتِ النِّساءِ، فتَحْرُمُ أبدًا؛ لقول اللَّه سبحانه: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} (٣). ولم يَشْتَرِطْ دُخُولَه بها، فأمَّا الصغيرةُ، ففيها رِوَايتان؛ إحداهما، نِكاحُها ثابتٌ؛ لأنَّها رَبِيبَةٌ، ولم يَدْخُلْ بأُمِّها، فلا تَحْرُمُ؛ لقولِ اللَّه سبحانه: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (٣). والرِّواية الثانية، يَنْفَسِخُ نِكاحُها. وهو قولُ الشافعىِّ، وأبي حنيفةَ؛ لأنَّهما صارتَا (٤) أُمًّا وبِنْتًا، واجْتَمَعَتَا في نِكاحِه، والجَمْعُ بينهما مُحَرَّمٌ، فانْفَسَخَ نِكاحُهُما، كما لو صارَتا أخْتَيْنِ، وكما لو عَقَدَ عليهما بعدَ الرَّضاعِ عَقْدًا واحدًا. ولَنا، أنَّه أمْكَن إزالةُ الجَمْعِ بانْفِساخِ نِكاحِ الكبيرةِ، وهى أَوْلَى به؛ لأنَّ نِكاحَها مُحَرَّمٌ على التَّأْبيدِ، فلم يَبْطُلْ نِكاحُهُما به، كما لو ابْتَدأ العَقْدَ على أُخْتِه وأجْنَبِيةٍ، ولأنَّ الجمعَ طَرَأ على نكاحِ الأُمِّ والبنتِ، فاخْتصَّ الفَسْخُ بنكاحِ الأُمِّ، كما لو أسْلَم وتَحْته امرأةٌ وبِنْتُها. وفارَقَ الأُخْتَيْنِ؛ لأنَّه ليست أحداهُما أوْلَى بالفَسْخِ من الأُخْرَى، وفارَقَ ما لو ابْتَدأ العَقْدَ عليهما؛ لأنَّ الدَّوامَ أقْوَى من الابْتِداءِ.

الفصل الثاني: أنَّه (٥) إن كان دَخَلَ بالكبيرةِ، حَرُمَتا جميعًا على الأبَدِ، وانْفَسَخَ نِكاحُهُما؛ لأنَّ الكبيرةَ صارت من أُمَّهاتِ النِّساءِ، والصغيرةَ رَبيبةٌ قد دَخَلَ بأُمِّها، فَتَحْرُمُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، وإن كان الرَّضاعُ بلَبَنِه، صارت الصغيرةُ بِنْتًا مُحَرَّمةً


(٢) في أ، م: "التي".
(٣) سورة النساء ٢٣.
(٤) في م: "صارت".
(٥) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>