للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَرْسُه، فإنَّه يَرجعُ على شَريكِه بنصْفِ البِناءِ والغَرْسِ. ذكرَه الشَّريفُ [أبو جَعْفرٍ] (٢٩)، وحَكاه أبو الخَطَّابِ عن القاضى. وقال أبو يوسفَ، ومحمدُ بنُ الحَسنِ: ليس له الرُّجوعُ عليه بشىءٍ (٣٠)؛ لأنَّه بنَى وغَرَسَ باخْتيارِ نَفْسِه، فلم يَرْجِعْ بنَقْصِ ذلك على غيرِه، كما لو بَنَى فى مِلْكِ نفسِه. ولَنا، أنَّ هذه القِسْمةَ بمَنْزلةِ البَيْعِ؛ فإنَّ الدَّارَيْنِ لا يُقسَمانِ قِسْمةَ إجْبارٍ على أن تكونَ كلُّ واحدةٍ منهما نَصِيبًا، وإنَّما يُقْسَمان كذلك بالتَّراضِى، فتكونُ جاريةً مَجْرَى البَيْعِ، ولو باعَه الدارَ جميعَها، ثم بانَتْ مُسْتحَقّةً، رجَعَ عليه بالبناءِ كلِّه، فإذا باعَه نِصْفَها، رجعَ عليه بنِصْفِه، وكذلك يُخَرَّجُ فى كلِّ قِسْمةٍ جاريةٍ مَجْرَى البَيعِ، وهى قسمةُ التَّراضِى، كالذى (٣١) فيه ردُّ عِوضٍ، وما لا يُجْبَرُ على قسْمتِه لضَرَرٍ فيه، ونحوِ ذلك. فأمَّا قِسْمةُ الإِجْبارِ، إذا ظهرَ نَصِيبُ أحدِهما مُسْتحَقًّا بعدَ البناءِ والغَرْسِ فيه، فنُقِضَ البناءُ، وقُلِعَ الغَرْسُ، فإن قُلْنا: القِسْمةُ بَيْعٌ. فالحكمُ فيها كذلك، وإن قُلْنا: ليستْ بيعًا. لم يَرْجِعْ؛ لأن شَرِيكَه لم يُغْرِه، ولم يَنْتَقِلْ (٣٢) إليه من جهتِه بَيْعٌ، وإنَّما أفْرزَ حَقَّه من حَقِّه، فلم يَضْمَنْ له ما غَرِمَ فيه. هذا الذى يَقْتَضيه قولُ أصحابِنا.

فصل: وإذا اقْتَسمَ الوَرَثةُ تَرِكَةَ الميِّتِ، ثم بانَ عليه دَيْنٌ لا وفاءَ له إلَّا ممَّا اقْتسَمُوه، لم تَبْطُلِ القِسْمةُ؛ لأنَّ تَعَلُّقَ الدَّينِ بالتَّرِكَةِ لا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصرُّفِ فيها، لأنَّه تَعلَّقَ بها بغيرِ رِضاهم، فأشْبَهَ تَعلُّقَ دَيْنِ الجنايةِ برَقَبةِ الجانِى، ويُفارِقُ الرَّهنَ؛ لأنَّ الحقَّ تعَلَّقَ (٣٣) به برِضَى مالكِه واخْتيارِه. فعلى هذا يُقالُ للوَرَثةِ: إن شِئْتُمْ وَفَّيْتُمُ الدَّينَ والقِسْمةُ بحالِها، وإن أبَيْتُم (٣٤) نُقِضَتِ القِسْمةُ وبِيعَتِ التَّرِكَةُ فى الدَّينِ. فإن أجابَ أحدُهم، وامْتنعَ الآخرُ، بِيعَ نَصِيبُ المُمْتنِعِ وحدَه، وبَقِىَ نَصيبُ المُجيبِ بحالِه. وإن كانتْ (٣٥) ثَمَّ وَصِيَّةٌ


(٢٩) لم يرد فى: الأصل.
(٣٠) سقط من: الأصل.
(٣١) فى م: "الذى".
(٣٢) فى ب، م: "ينقل".
(٣٣) فى ب، م: "يتعلق".
(٣٤) فى ب، م: "شئتم".
(٣٥) فى ب، م: "كان".

<<  <  ج: ص:  >  >>