للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُباحُ ذلك مع الحاجةِ وعَدَمِها؛ لِما ذكرْنَا، إلَّا أن ما يُسْتَعْمَلُ مِن ذلك لا يُباحُ كالْحَلَقةِ، وما لا يُسْتَعْمَلُ كالضَّبَّةِ يُباحُ.

وقال أبو الخَطَّاب: لا يُباحُ اليَسِيرُ إلَّا لِحَاجةٍ؛ لأن الْخَبَرَ إنما ورَد في تَشْعِيبِ القَدَحِ في مَوْضِع الكَسْرِ، وهو لحاجةٍ، ومعنَى الحاجةِ أن تَدْعُوَ الحاجةُ إلى ما فَعَلَه به، وإن كان غيرُه يقومُ مَقامَه، وتُكْرَه مُباشرةُ مَوْضِعِ الفضةِ بالاستعمالِ؛ كيْلا يكونَ مُسْتَعْمِلًا لها. وسنذكُر ذلك في غيرِ هذا الموضِعِ بأبْسَطَ من هذا، إن شاء اللَّه تعالى.

فصل: فأمَّا سائُر الآنِيَةِ فمُباحٌ اتِّخاذُها واستعمالُها، سواء كانتْ ثمينةً، كالياقوتِ والبِلَّلَوْرِ (١٣) والْعَقيقِ والصُّفْر والمَخْرُوط من الزُّجاجِ، أو غيرِ ثمينةٍ، كالخشَبِ والخَزَفِ والجلود.

ولا يُكْرَهُ [استعمالُ شيءٍ منها] (١٤) في قولِ عَامَّةِ أهلِ العلم، إلَّا أنه رُوِىَ عن ابن عمر، أنه كَرِهَ الوُضوءَ في الصُّفْر والنُّحاسِ والرَّصاصِ وما أشْبَهَ ذلك. واخْتارَ ذلك الشيخُ أبو الفرج المَقْدِسِىُّ؛ لأن الماءَ يتغَيَّرُ فيها، ورُوِىَ أن الملائكةَ تَكْرَهُ ريحَ النُّحاسِ.

وقال الشافعيُّ، في أحَدِ قَوْلَيْه: ما كان ثَمِينًا لِنَفاسةِ جوهرِه فهو مُحَرَّمٌ؛ لأن تَحْرِيمَ الأثْمانِ تَنْبِيهٌ علَى تحريمِ ما هو أعْلَى منه، ولأن فيه سَرَفًا وخُيَلاءَ وكَسْرَ قلوبِ الفقراءِ، فكان مُحَرَّمًا كالأَثْمانِ.

ولنا ما رُوِىَ عن عبدْ اللَّه بن زيد، قال: أتانا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخْرَجْنا له ماءً


(١٣) في البللور لغتان: كسر الباء مع فتح اللام مثل سنور، وفتح الباء مع ضم اللام وهى مشددة فيهما مثل تنور.
(١٤) في الأصل: "استعمالها".

<<  <  ج: ص:  >  >>