للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يُحَرَّمُ به؛ لزوالِ الاسمِ. وكذلك على الرِّوايةِ التي تقولُ: لا يثبتُ التَّحْريمُ بالوَجُورِ. لا يَثْبُتُ ههُنا بَطَرِيقِ الأَوْلَى. ولَنا (١٤)، أنَّه واصِلٌ من الحَلْقِ، يَحْصُلُ به إنْباتُ اللَّحْمِ وإنْشازُ العَظْمِ، فحَصَلَ به التَّحْرِيمُ، كما لو شَرِبَه.

فصل: فأمَّا الحُقْنةُ، فقال أبو الخَطَّابِ: المَنْصُوصُ عن أحمدَ؛ أنَّها لا تُحَرِّمُ. وهو مذهبُ أبي حنيفةَ، ومالكٍ. وقال ابنُ حامدٍ، وابنُ أبي مُوسَى: تُحَرِّمُ. وهذا مذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّه سَبِيلٌ يَحْصُلُ بالواصلِ منه الفِطْرُ، فتَعَلَّقَ به التَّحْريمُ، كالرَّضَاعِ. ولَنا، أنَّ هذا ليس برَضاعٍ، ولا يَحْصُلُ به التَّغَذِّى، فلم ينْشُرِ الحُرْمَةَ، كما لو قَطَّرَ في إحْلِيلِه، ولأنَّه ليس برَضاعٍ، ولا في مَعْناه، فلم يَجُزْ إثْباتُ حُكْمِه فيه، ويُفارِقُ فِطْرَ الصائمِ، فإنَّه لا يُعْتَبَرُ فيه إنْباتُ اللَّحْمِ، ولا إنْشازُ العَظْمِ، وهذا لا يُحَرِّمُ فيه إلَّا ما أَنْبَتَ اللَّحَمَ وأنْشَزَ العَظْمَ، ولأنَّه وَصَلَ اللَّبَنُ إلى الباطِنِ من غيرِ الحَلْقِ، أشْبَهَ ما لو وَصَلَ من جُرْحٍ.

١٣٦٩ - مسألة؛ قال: (واللَّبَنُ الْمَشُوبُ كَالمَحْضِ)

المَشُوبُ: المُخْتَلِطُ بغيرِه. والمَحْضُ: الخالِصُ الذي لا يُخالِطُه سِوَاه. وسَوَّى الخِرَقيُّ بينهما، سَواءٌ شِيبَ بطَعامٍ أو شَرَابٍ أو غيرِه (١). وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو بكر: قياسُ قولَ أحمدَ، أنَّه لا يُحَرِّمُ؛ لأنَّه وَجُورٌ. وحُكِىَ عن ابنِ حامدٍ [أنَّه قال: (٢) إن كان الغالبُ اللَّبَنَ حَرَّمَ، وإلَّا فلا: وهو قولُ أبى ثَوْرٍ، والمُزَنِيِّ؛ لأنَّ الحُكْمَ للأَغْلَبِ، ولأنَّه يَزُولُ بذلك الاسمُ والمَعْنَى المُرَادُ به. ونحوُ هذا قولُ أصحابِ الرَّأْىِ، وزادُوا، فقالوا: إن كانت النارُ قد مَسَّتِ اللَّبَنَ حتى أنْضَجَتِ الطعامَ، أو حتى تغيَّرَ، فليس برَضاعٍ. ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّ اللَّبَنَ متى كان ظاهِرًا، فقد حَصَلَ شُرْبُه، ويَحْصُلُ


(١٤) في ب: "قلنا".
(١) في الأصل: "بغيره".
(٢) سقط من: الأصل، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>