للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشُّبُهاتِ، ولأنَّ طَلاقَه لا يقعُ في رِوَايةٍ، فأشْبَهَ النائمَ. والأولُ أوْلَى؛ لأنَّ إسْقاطَ الحَدِّ عنه يُفْضِى إلى أنَّ مَن أرادَ فِعْلَ هذه المُحَرَّماتِ، شَرِبَ الخمرَ، وفعلَ ما أحبَّ، فلا يلزمُه شيءٌ، ولأنَّ السُّكْرَ مَظِنَّةٌ لفعلِ الْمَحارِمِ، وسَببٌ إليه، فقد تسَّببَ إلى فِعْلِها حالَ صَحْوِه. فأمَّا إنْ أَقَرَّ بالزِّنَى وهو سَكْرانُ، لم يُعْتَبَرْ إقْرارُه؛ لأنَّه لا يَدْرِى ما يقولُ، ولا يدُلُّ قولُه على صِحَّةِ خَبَرِه، فأشْبَهَ قولَ النائمِ والمجنونِ. وقد رَوَى بُرَيْدَةُ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتَنْكَهَ ماعِزًا. روَاه أبو داودَ (٨). وإنَّما فعلَ ذلك، ليَعْلَمَ هل (٩) هو سَكْرانُ أو لا، ولو كان السَّكْرانُ مَقْبولَ الإِقْرارِ، لمَا احْتِيجَ إلى تَعَرُّفِ بَراءَتِه منه.

فصل: فأمَّا قولُه: وهو صحيحٌ. ففسَّرَه القاضي بالصَّحِيحِ من المَرضِ، يعني أن الحَدَّ لا يجبُ عليه في مَرَضِه، وإن وَجَبَ فإنَّه إنَّما يُقَامُ عليه الحَدُّ بما يُؤْمَنُ به تَلَفُه، فإن خِيفَ ضَرَرٌ عليه، ضُرِبَ ضَرْبَةً واحدةً بِضِغْثٍ فيه مائةُ شِمْرَاخٍ أو عُودٍ صَغيرٍ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أراد الصحِيحَ الذي يُتَصَوَّرُ منه الوَطْءُ، فلو أقرَّ بالزِّنَى مَن لا يُتَصَوَّرُ منه، [كالمَجْبُوب، فلا حَدَّ عليه] (١٠)؛ لأنَّنا نتيقَّنُ أنَّه لا يُتَصَوَّرُ منه الزِّنَى المُوجِبُ للحَدِّ، ولو قامَتْ به بيِّنَةٌ، فهى كاذِبَةٌ، وعليها الحَدُّ. نَصَّ عليه أحمدُ. وإن أقرَّ الخَصِىُّ أو العِنِّينُ، فعليه الحَدُّ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ (١١)؛ لأنَّه يُتَصَوَّرُ منه ذلك، فقُبِلَ إقْرارُه به، كالشَّيْخِ الكَبيرِ.

فصل: وأمَّا الأخْرَسُ، فإن لم تُفهَمْ إشارَتُه، فلا يُتَصَوَّرُ منه إقْرارٌ، وإن فُهِمَتْ إشارتُه، فقالَ القاضي: عليه الحَدُّ. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ، وابنِ القاسِمِ صاحِبِ مالِكٍ، وأبى ثَوْرٍ، وابن المُنْذِرِ؛ لأنَّ من صَحَّ إقْرارُه بغيرِ الزِّنَى، صَحَّ إقرارُه به، كالنَّاطِقِ. وقال أصحابُ أبى حنيفةَ: لا يُحَدُّ بإقْرارٍ ولا بَيِّنَةٍ؛ لأنَّ الإِشارَةَ تَحْتَمِلُ ما فُهِمَ منها وغيرَه،


(٨) في: باب رجم ماعز بن مالك، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٦٠.
كما أخرجه مسلم، في: باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود. صحيح مسلم ٣/ ١٣٢٢.
(٩) سقط من: الأصل.
(١٠) في ب، م: "كالمجنون فلا عليه".
(١١) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>