فصل: وإن وَجَدَ عَنْبَرةً على ساحِلِ البَحرِ، فهى له؛ لأنَّه يُمْكِنُ أن يكونَ البَحْرُ ألْقَاها، والأصْلُ عَدَمُ المِلْكِ فيها، فكانت مُباحَةً لآخِذِها، كالصَّيْدِ. وقد رَوَى سَعِيدٌ، قال: حَدَّثَنا إسماعيلُ بن عَيَّاشٍ، عن مُعَاوِيةَ بن عَمْرٍو العَبْدِىّ (١٨)، قال: أَلْقَى بَحْرُ عَدَنَ عَنْبَرةً مثل البَعِيرِ، فأخَذَها ناسٌ بِعَدَنَ. فكتب إلى عمرَ بن عبد العَزِيزِ، فكُتِبَ إلينا، أن خُذُوا منها الخُمْسَ، وادْفَعُوا إليهم سائِرَها، وإن بَاعُوكُمُوها فاشْتَرُوها. فأَرَدْنا أن نَزِنَها فلم نَجِدْ مِيزَانًا يُخْرِجُها، فقَطَعْناها اثْنَيْنِ، وَوَزَنَّاها، فوَجَدْناها سِتَّمائةَ رَطْلٍ، فأخَذْنا خُمْسَها، ودَفَعْنا سائِرَها إليهم، ثم اشْتَرَيْناها بخَمْسَة آلافِ دِينَارٍ، وبَعَثْنَا بها إلى عمرَ بن عبد العزيزِ، فلم يَلْبَثْ إلا قَلِيلًا حتى باعَها بثَلَاثَةٍ وثَلَاثِينَ ألْفَ دِينَارٍ.
فصل: وإن صادَ غَزَالًا، فوَجَدَه مَخْضُوبًا، أو في عُنُقِه حِرْزٌ، أو في أُذُنِه قُرْطٌ، ونحو ذلك ممَّا يَدُلُّ على ثُبُوتِ اليَدِ عليه، فهو لُقَطَةٌ؛ لأنَّ ذلك دَلِيلٌ على أنَّه كان مَمْلُوكًا. وقال أحمدُ، في مَن ألْقَى شَبَكةً في البَحْرِ، فوَقَعَتْ فيها سَمَكةٌ، فجَذَبَتِ الشَّبَكةَ، فمَرَّتْ بها في البَحْرِ، فصَادَها رَجُلٌ، فإنَّ السَّمَكةَ للذى حازَها، والشَّبَكةُ يُعَرِّفُها ويَدْفَعُها إلى صاحِبِها. فجَعَلَ الشَّبَكَةَ لُقَطَةً؛ لأنَّها مَمْلُوكةٌ لآدَمِيٍّ، والسَّمَكَةَ لمن صَادَها؛ لأنَّها كانت مُبَاحةً ولم يَمْلِكْها صاحِبُ الشَّبَكَةِ، لكَوْنِ شَبَكَتِه لم تُثْبِتْها، فبَقِيَتْ على الإِبَاحةِ، وهكذا لو نَصَبَ فَخًّا أو شَرَكًا، فوَقَعَ فيه صَيْدٌ من صُيُودِ البَرِّ، فأخَذَه وذَهَبَ به، وصادَه آخَرُ، فهو لمن صادَه، ويَرُدُّ الآلةَ إلى صَاحِبِها، فهى لُقَطَةٌ يُعَرِّفُها. وقال أحمدُ، في رَجُلٍ انْتَهى إلى شَرَكٍ فيه حِمَارُ وَحْشٍ، أو ظَبْيَةٌ، قد شارَفَ المَوْتَ، فخَلَّصَه وذَبَحَه: هو لِصَاحِبِ الأُحْبُولةِ، وما كان من الصَّيْدِ في الأُحْبُولةِ فهو لمن نَصَبَها، وإن كان بازِيًّا أو صَقْرًا أو عُقَابًا. وسُئِلَ عن بازِيٍّ أو صَقْرٍ أو كَلْبٍ مُعَلَّمٍ أو فَهْدٍ، ذَهَبَ عن صَاحِبه، فدَعَاهُ فلم يُجِبْه، ومَرَّ في الأرْضِ حتى أتى لذلك