للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى بابِ الوَلاءِ، إنْ شاءَ اللَّه تَعالى.

فصل: فأمَّا الكُفَّارُ فيتوارَثونَ، إذا كان دينُهم واحدًا، لا نعلمُ بينَ أهْلِ العلم فيه خلافًا، وقولُ النّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ" دليلٌ على أَنَّ بعْضَهم يَرِثُ بَعْضًا. وقولُه: "لَا يَتَوَارَثُ أهْلُ مِلَّتَيْن شَتَّى". دليلٌ على أنَّ أهلَ المِلّةِ الواحدةِ يَرِثُ بَعْضُهم بَعْضًا. وقولُ النّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ" (٦). دليلٌ عَلى أنّ عقيلًا وَرِثَ أبا طالبٍ دُونَ جَعْفرٍ، وعلىٍّ؛ لأنَّهما كانا مُسْلِميْنِ، وكان عَقِيلٌ عَلى دينِ أبيه، مُقيمًا بمكةَ، فباعَ رِباعَه بمكةَ، فلذلك لما قيل للنّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ قال: "وهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ" (٦). وقال عمرُ فى عمَّةِ الأشْعَثِ بنِ قَيْسٍ: يَرِثُها أهْلُ دينها. فإن اخْتَلَفَتْ أدْيانُهم، فاخْتَلَفَ (٧) عن أحمدَ، فرُوِىَ عنه، أَنَّ الكُفْرَ كُلَّه مِلّةٌ واحدَةٌ، يَرِثُ بعضُهم بَعْضًا. روَاه عنه حَرْبٌ، واخْتارَه الخَلَّالُ. وبه قال حَمادٌ، وابنُ شُبْرُمَةَ، وأبو حنيفةَ، والشَّافِعىُّ، وداودُ؛ لأنَّ تَوْريثَ الآباءِ من الأبْناءِ، والأبْناءِ من الآباءِ، مذكورٌ فى كتاب اللَّهِ تعالى ذِكْرًا عامًّا، فلا يُتْرَكُ إلَّا فيما اسْتَثْناه الشَّرعُ، وما لم يسْتَثْنِه الشَّرْعُ يَبْقَى على العُمومِ، ولأنَّ قولَ اللَّهِ تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (٨). عامٌّ فى جميعِهم. ورُوِىَ عن أحمدَ، أَنَّ الكُفرَ مِلَلٌ مُخْتَلِفَةٌ، لا يَرِثُ بَعْضُهم بعضًا. اخْتارَه أبو بكرٍ، وهو قولُ كثيرٍ من أهْلِ العلمِ؛ لأنَّ قولَ النّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى". ينْفى تَوارُثَهما، ويخُصُّ عمومَ الكتابِ، ولم نَسْمَعْ عن أحمدَ تصريحًا بذكرِ أقْسامِ المِلَلِ. وقال القاضى أبو يَعْلى: الكُفرُ ثلاثُ مِلَلٍ: اليهوديَّةُ، والنَّصرانيَّةُ، ودينُ مَنْ عداهم؛ لأنَّ مَنْ عَداهم يجْمَعُهم أنَّهم لا كِتابَ لهم. وهذا قولُ شُرَيْحٍ، وعَطاءٍ، وعمرَ بنِ عبدِ العزيز، والضَّحَّاكِ، والحَكَمِ، والثَّوْرىِّ،


(٦) تقدم تخريجه فى: ٦/ ٣٦٥.
(٧) أى النقل.
(٨) سورة الأنفال ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>