للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (١٣). فأمَّا ما يَظْهَرُ غالبًا سِوَى الوَجْهِ، كالكَفَّيْنِ والقَدَمَيْنِ ونحوِ ذلك، ممَّا تُظْهِرُه المرأةُ فى منزِلِها، ففيه روايتَان؛ إحداهما، لا يُباحُ النَّظرُ إليه؛ لأنَّه عَوْرَةٌ، فلم يُبَحِ النَّظَرُ إليه، كالذى لا يَظْهَرُ، فإنَّ عبدَ اللَّه رَوَى أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ" (١٤). حديثٌ حسنٌ. ولأنَّ الحاجةَ تَنْدَفِعُ بالنَّظَرِ إلى الوَجْهِ، فبَقِىَ ما عَدَاه على التَّحْرِيمِ. والثانية، له النَّظَرُ إلى ذلك. قال أحمدُ، فى روايةِ حَنْبلٍ: لا بأسَ أن يَنْظُرَ إليها، وإلى ما يَدْعُوه إلى نِكاحِها، من يَدٍ أو جِسْمٍ ونحوِ (١٥) ذلك. قال أبو بكرٍ: لا بأسَ أن يَنْظُرَ إليها عندَ الخِطْبةِ حاسِرَةً. وقال الشافعىُّ: فيَنْظُرُ إلى (١٦) الوَجْهِ والكَفَّيْنِ. ووَجْهُ جَوازِ النَّظَرِ إلى ما يَظْهَرُ غالبًا، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا أذِنَ فى النَّظَرِ إليها من غيرِ عِلْمِها، عُلِمَ أنَّه أذِنَ فى النَّظرِ إلى جميعِ ما يَظْهَرُ عادةً، إذ لا يُمْكِنُ إفْرادُ الوَجْهِ بالنَّظَرِ مع مُشَارَكةِ غيرِه له فى الظُّهورِ، ولأنَّه يَظْهَرُ غالبًا، فأبِيحَ النَّظَرُ إليه كالوَجْهِ، ولأنَّها امرأةٌ أبِيحَ له النَّظَرُ إليها بأمْرِ الشارعِ، فأبِيحَ النَّظرُ منها إلى ذلك، كذَوَاتِ المَحارِمِ. وقد رَوَى سعيدٌ (١٧)، عن سُفْيانَ، عن عمرِو بن دِينارٍ، عن أبى جَعْفَرٍ. قال: خَطَبَ عمرُ بن الخطابِ ابْنَةَ علىٍّ، فذَكَرَ منها صِغَرًا، فقالوا له: إنَّما رَدَّك. فعَاوَدَهُ، فقال: نُرْسِلُ بها إليك تَنْظُرُ (١٨) إليها. فرَضِيَها، [وكشَف عن ساقِها] (١٩). فقالت: أرْسِل، فَلَوْلا أنَّك أمِيرُ المُؤْمِنِينَ للَطَمْتُ (٢٠) عَيْنَكَ.

فصل: ويجوزُ للرَّجُلِ أن يَنْظُرَ من ذَواتِ مَحَارِمِه إلى ما يَظْهَرُ غالِبًا، كالرَّقَبةِ والرَّأْسِ والكَفَّيْنِ والقَدَمَيْنِ ونحوِ ذلك. وليس له النَّظَرُ إلى ما يُسْتَرُ (٢١) غالبًا، كالصَّدْرِ والظَّهْرِ ونحوِهما. قال الأثْرَمُ: سألتُ أبا عبدِ اللَّه عن الرجلِ يَنْظُرُ إلى شَعْرِ امرأةِ أبِيه أو امرأةِ ابْنِه.


(١٣) سورة الأنبياء ٣٦.
(١٤) تقدم تخريجه فى: ٢/ ٣٢٨.
(١٥) فى الأصل: "أو".
(١٦) سقط من: الأصل.
(١٧) فى: باب النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها. السنن ١/ ١٤٧. كما أخرجه عبد الرزاق، فى: باب نكاح الصغيرين، من كتاب النكاح. المصنف ٦/ ١٦٣.
(١٨) فى الأصل: "لتنظر".
(١٩) فى م: "وكشف عن ساقيها".
(٢٠) فى م زيادة: "الذى فى".
(٢١) فى أ، ب، م: "يستتر".

<<  <  ج: ص:  >  >>