للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَطَّابِ: عندِى أنَّه [لا يجوزُ أنْ] (٢٣) يُقيمَ سَنَةً بغيرِ جِزْيَةٍ. وهذا قولُ الأوْزاعِىِّ، والشافِعِىِّ، لقوْلِ اللَّه تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (٢٤). ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّ هذا كافِرٌ أُبِيحَ له الإقامَةُ فى دارِ الإسْلامِ، من غيرِ الْتزامِ جِزْيَةٍ، فلم تَلْزَمْه جِزْيَةٌ، كالنِّساءِ والصِّبْيانِ، ولأنَّ الرَّسولَ لو كانَ ممَّنْ لا يجوزُ أخذُ الجِزْيَةِ منه، يَسْتَوِى فى حَقِّه السَّنَةُ وما دُونَها، فى أنَّ الجِزْيةَ لا تُؤْخَذُ منه فى المُدَّتَيْن، فإذا جازَتْ له الإقامَةُ فى إحداهما، جازَت فى الأُخْرَى، قياسًا لها عليها. وقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}. أى يلْتزِمُونها، ولم يُرِدْ حقيقَةَ الإعْطاءِ، وهذا مخصوصٌ منها بالاتِّفاقِ فإنَّه يجوزُ له (٢٥) الإقامَةُ من غيرِ الْتزامٍ لها، ولأنَّ الآيةَ تخَصَّصَتْ بما دونَ الحَوْلِ، فنَقِيسَ على الْمَحَلِّ المَخْصوصِ.

فصل: وإذا دَخَلَ حَرْبِىٌّ دارَ الإسلامِ بأمانٍ، فأوْدَعَ مالَه مسلمًا أو ذِمِّيًّا، أو أقْرَضَهُما إيَّاه، ثم عادَ إلى دارِ الحَرْبِ، نظَرْنا؛ فإنْ دخَلَ تاجرًا، أو رسولًا، أو مُتَنَزِّهًا، أو لحاجةٍ يَقْضِيها ثم يعودُ إلى دارِ الإسلامِ، فهو على أمانِه فى نَفْسِه ومالِه؛ لأنَّه لم يخْرُجْ بذلك عن نِيَّةِ الإِقامةِ بدارِ الإسلامِ، فأشْبَهَ الذِّمِّىَّ إذا دخَلَ لذلك، وإنْ دَخَلَ مُسْتَوْطِنًا، بطلَ الأمانُ فى نفسِه، وبَقِىَ فى مالِه، لأنَّه بدُخولِه دارَ الإسلامِ بأمانٍ؛ ثَبَتَ الأمانُ لمالِه الذى مَعَه، فإذا بطلَ فى نفسِه بدُخولِه دارَ الحرْبِ، بَقِىَ فى مالِه؛ لاخْتِصاصِ المُبْطِلِ بنَفْسِه، فيَخْتَصُّ (٢٦) البُطْلانُ به. فإنْ قيلَ (٢٧): إنَّما (٢٨) يثْبُت الأمانُ لمالِه تَبَعًا، فإذا بطلَ فى المَتْبُوعِ، بطلَ فى التَّبَعِ. قُلنا: بل يثبُتُ له الأمانُ لمعنًى وُجِدَ فيه، وهو إدْخالُه معه، وهذا يقتَضِى ثُبوتَ الأمانِ له. وإن لم يثْبُتْ فى نفسِه، بدليلِ ما لو بعَثَه مع مُضارِبٍ له أو وكيلٍ، فإنَّه يثْبُتُ له (٢٩) الأمانُ، ولم يثْبُت (٣٠) فى نفسِه،


(٢٣) سقط من: الأصل.
(٢٤) سورة التوبة ٢٩.
(٢٥) سقط من: الأصل، م.
(٢٦) فى م: "فيخص".
(٢٧) فى النسخ: "قتل" تصحيف.
(٢٨) فى أ، م: "فإنما".
(٢٩) سقط من: الأصل، م.
(٣٠) فى م زيادة: "الأمان".

<<  <  ج: ص:  >  >>