للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: إذا دَفَعَ إليه طَعَامَه، فأحَبَّ الأجِيرُ أن يَسْتَفْضِلَ بعضَه لِنَفْسِه، نَظَرْتَ؛ فإن كان المُؤْجِرُ دَفَعَ إليه أكْثَرَ من الواجِبِ.، ليَأْكُلَ قَدْرَ حاجَتِه، ويَفْضُلُ الباقِي، أو كان في تَرْكِه لأَكْلِه كلِّه ضَرَرٌ على المُؤْجِرِ، بأن يَضْعُفَ عن العَمَلِ، أو يَقِلَّ لَبَنُ الظِّئْرِ، مُنِعَ منه؛ لأنَّه في الصُّورةِ الأُولَى لم يُمَلِّكْهُ إيّاهُ، وإنَّما أبَاحَه أكْلَ قَدْرِ حاجَتِه، وفي الثانية على المُؤْجِرِ ضَرَرٌ بِتَفْوِيتِ بعضِ مالِه من مَنْفَعَتِه، فمُنِعَ منه، كالجَمَّالِ إذا امْتَنَعَ من عَلْفِ الجِمَالِ. وإن دَفَعَ إليه قَدْرَ الواجِبِ من غيرِ زِيَادةٍ، أو دَفَعَ إليه أكْثَرَ، ومَلَّكَه إيَّاه، ولم يكُنْ في تَفْضِيلِه لِبَعْضِه ضَرَرٌ بالمُؤْجِرِ، جازَ؛ لأنَّه حَقٌّ لا ضَرَرَ على المُؤْجِرِ فيه، فأشْبَهَ الدَّرَاهِمَ.

فصل: وإن قَدَّمَ إليه طَعَامًا، فنُهِبَ أو تَلِفَ قبلَ أكْلِه، نَظَرْتَ؛ فإن كان على مائِدَةٍ لا يَخُصُّهُ فيها بِطَعَامِه، فهو من ضَمَانِ المُسْتَأْجِرِ؛ لأنَّه لم يُسَلِّمْهُ إليه، فكان تَلَفُه من مالِه، وإن خَصَّهُ بذلك، وسَلَّمَه إليه، فهو من ضَمَانِ الأجِيرِ؛ لأنَّه تَسْلِيمُ عِوَضٍ على وَجْهِ التَّمْلِيكِ، أشْبَه البَيْعَ.

فصل: إذا دَفَعَ إلى رَجُلٍ ثَوْبًا، وقال: بِعْهُ بكذا، فما ازْدَدْتَ فهو لك. صَحَّ، نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايةِ أحمدَ بن سَعِيدٍ. ورُوِى ذلك عن ابنِ عَبَّاسٍ. وبه قال ابنُ سِيرِينَ، وإسحاقُ. وكَرِهَهُ النَّخَعيُّ، وحَمَّادٌ، وأبو حنيفَةَ، والثَّوْرِيُّ، والشافِعيُّ، وابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّه أجْرٌ مَجْهُولٌ، يَحْتَمِلُ الوُجُودَ والعَدَمَ. ولَنا، ما رَوَى عَطَاءٌ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّه كان لا يَرَى بَأْسًا أن يُعْطِىَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثَّوْبَ أو غيرَ ذلك، فيقولَ: بِعْهُ بكذا وكذا، فما ازْدَدْتَ فهو لك. ولا يُعْرَفُ له في عَصْرِه مُخَالِفٌ. ولأنَّها عَيْنٌ تُنَمَّى بالعَمَلِ عليها (١٥)، أشْبَهَ دَفْعَ [مالِ المُضَارَبةِ] (١٦). إذا ثَبَتَ هذا، فإن باعَه بِزِيَادَةٍ، فهى له؛ لأنَّه جَعَلَها أُجْرَةً، وإن باعَه بالقَدْرِ المُسَمَّى من غيرِ زِيَادةٍ،


(١٥) في م: "فيها".
(١٦) في الأصل: "المال مضاربة".

<<  <  ج: ص:  >  >>