للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرقُ بينَ باب الدَّارِ وبابِ الخِزَانَةِ، أنَّ أبوابَ الخَزَائِنِ تُحْرَزُ بِبَابِ الدَّارِ، وبابُ الدَّارِ لا يُحْرَزُ إلَّا بِنَصْبِهِ، ولا يُحْرَزُ بغيرِه. وأمَّا حَلْقَةُ البَابِ، فإن كانت مَسْمُورَةً، فهى مُحْرَزَةٌ، وإلَّا فلا؛ لأنَّها تُحْرَزُ بتَسْمِيرِها.

فصل: وإن سَرَقَ بابَ مَسْجِدٍ منصوبًا، أو بابَ الكعبةِ المنْصوبَ، أو سَرَقَ من سَقْفِه شيئًا، أو تأزِيرهُ (٧٩)، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، عليه القَطْعُ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ، وأبى القاسم صاحبِ مالِكٍ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّه سَرَقَ نِصَابًا مُحْرَزًا يُحْرَزُ مثلُه، لا شُبْهَةَ له فيه، فَلَزِمَه القَطْعُ، كبابِ بيتِ الآدَمِيِّ. والثانى، لا قَطْعَ عليه. وهو قولُ أصحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّه لا مالِكَ له من المخلُوقين، فلا يُقْطَعُ فيه، كحُصُرِ المسجدِ وقَنَاديلِه، فإنَّه لا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ ذلك، وجهًا واحدًا؛ لكَوْنِه ممَّا يَنْتَفِعُ به الناسُ (٨٠)، فيكونُ له فيه شُبْهَةٌ، فلم يُقْطَعْ به، كالسَّرِقَةِ من بيتِ المالِ. وقال أحمدُ: لا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سِتارَةِ الكعبةِ الخارجةِ منها. وقال القاضِى: هذا محمولٌ على ما ليستْ بِمَخِيطَةٍ؛ لأنَّها إنَّما تُحْرَزُ بخياطَتِها. وقال أبو حنيفةَ، لا قَطْعَ فيها بحالٍ؛ لما ذكرْنا في البابِ.

فصل: وإذا أجَرَ دارَه، ثم سَرَقَ منها مالَ الْمُسْتأْجِرِ، فعليه القَطْعُ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وأبو حنيفةَ. وقال صاحباه: لا قَطْعَ عليه؛ لأنَّ المنفعةَ تحدُثُ في مِلْكِ الآجِرِ، ثم تنْتَقِلُ إلى الْمُسْتأجِرِ. ولَنا، أنَّه هَتَكَ حِرْزًا، وسَرَقَ منه نصِابًا لا شُبْهَةَ له فيه (٨٠)، فوَجَبَ القَطْعُ، كما لو سَرَقَ من مِلْكِ المُسْتأْجِرِ. وما قالَاه لا نُسَلِّمُه. ولو استعارَ دارًا فَنَقَبَهَا الْمُعِيرُ، وسَرَقَ مالَ المُسْتَعِيرِ منها، قُطِعَ أيضًا. وبهذا قالَ الشَّافِعِىُّ، في أحد الوجْهَيْنِ. وقال أبو حنيفةَ: لا قَطْعَ عليه؛ لأنَّ المنْفعةَ مِلْكٌ له، فما هَتَكَ حِرْزَ غيرِه، ولأنَّ له الرُّجوعَ متى شاءَ، وهذا يكونُ رُجُوعًا. ولَنا، ما تقدَّمَ في التي قبلَها، ولا يَصِحُّ ما ذكره، لأنَّ هذا قد صارَ حِرْزًا لمالِ غيرِه، لا يجوزُ له الدُّخولُ إليه، وإنَّما يجوزُ له الرُّجُوعُ في العارِيَّةِ، والمطالَبَةُ بِرَدِّه إليه.


(٧٩) التأزير: التغطية والتقوية.
(٨٠) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>