للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا يُقَدَّمُ الأقْرَبُ مِنْهُنَّ فالأقْرَبُ، كما في حَقِّ الرَّجُلِ. وَرُوِى عنه أنَّ النِّساءَ لا يَسْتَطِعْنَ أن يَدْخُلْنَ القَبْرَ، ولا يَدْفِنَّ. وهذا أصَحُّ وأحْسَنُ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حين ماتَتْ ابْنَتُه أمَرَ أبا طَلْحَةَ، فنَزَلَ في قَبْرِهَا. وَرُوِىَ أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أيُّكُمْ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ " قال أبو طَلْحَةَ: أنا. فأمَرَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنَزَلَ (٤)، فأدْخَلَها قَبْرَها. [رَوَاهُ البُخَارِىُّ] (٥). ورَأى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- النِّساءَ في جِنَازَةٍ، فقال: "هَلْ تَحْمِلْنَ؟ " قلن: لا. قال: "هَلْ تُدْلِينَ فِي مَنْ يُدْلِى؟ " قلن: لا. قال: "فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ". رَوَاهُ ابنُ مَاجَه (٦). وهذا اسْتِفْهَامُ إنْكارٍ، فَدَلَّ على أنَّ ذلك غيرُ مَشْرُوعٍ لَهُنَّ بحالٍ، وكيْف يُشْرَعُ لَهُنَّ وقد نَهاهُنَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن اتِّباعِ الجَنائِزِ (٧)؟ ولأنَّ ذلك لو كان مَشْروعًا لَفُعِلَ في عَصْرِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو خُلَفائِه، ولَنُقِلَ عن بعضِ الأئِمَّةِ، ولأنَّ الجِنازَةَ يَحْضُرُها جُمُوعُ الرِّجالِ، وفى نُزُولِ النِّساءِ في القَبْرِ بين أَيْدِيهم هَتْكٌ لَهُنَّ، مع عَجْزِهِنَّ عن الدَّفْنِ، وضَعْفِهِنَّ عن حَمْلِ المَيِّتَةِ وتَقْلِيبِهَا، فلا يُشْرَعُ. لكنْ إن عُدِمَ مَحْرَمُها، اسْتُحِبَّ ذلك لِلْمَشَايِخِ؛ لأنَّهم أقَلُّ شَهْوَةً، وأبْعَدُ من الفِتْنَةِ، وكذلك من يَلِيهم من فُضَلاءِ النَّاسِ وأَهْلِ الدِّينِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَ أبا طَلْحَةَ، فَنَزَلَ في قَبْرِ ابْنَتِه، دونَ غَيرِه.

فصل: فأمَّا الرَّجُلُ فأوْلَى النَّاسِ بِدَفْنِه أوْلاهُمْ بالصَّلَاةِ عليه من أقارِبِهِ؛ لأنَّ القَصْدَ طَلَبُ الحَظِّ لِلْمَيِّتِ، والرِّفْقُ به. قال علىٌّ، رَضِىَ اللهُ عنه: إنَّما يَلِى الرَّجُلَ أَهْلُه (٨). ولما تُوُفِّىَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَلْحَدَهُ العَبَّاسُ، وعَلِىٌّ، وأُسَامَةُ. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (٨).


(٤) سقط من: الأصل.
(٥) سقط من: الأصل، أ. وأخرجه البخاري، في: باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه. . . . إلخ، وتعليقا في: باب من يدخل قبر المرأة، من كتاب الجنائز. صحيح البخاري ٢/ ١٠٠، ١٠١, ١١٤.
(٦) تقدم تخريجه في صفحة ٤٠٢.
(٧) تقدم تخريجه في صفحة ٤٠١.
(٨) في: باب كم يدخل القبر؟ ، من كتاب الجنائز. سنن أبي داود ٢/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>