للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهَدِيَّةِ عند حُدوثِ الوِلايةِ يَدُلُّ على أنَّها مِن أجْلِها، ليتَوسَّلَ بها إلى مَيْلِ الحاكمِ معه على خَصْمِه، فلم يَجُزْ قبولُها منه (٧) كالرِّشْوَةِ، فأمَّا إن كان يُهْدِى إليه قبلَ وِلَايَتِه، جازَ قَبولُها منه بعدَ الوِلَايةِ؛ لأنَّها لم تكُنْ مِن أجلِ الوِلايةِ؛ لوُجودِ سَبَبِها قبلَ الوِلايةِ، بدليلِ وُجودِها قبلَها. قال القاضى: ويُسْتحَبُّ له التَّنزُّهُ عنها: وإن أحَسَّ أنَّه يُقدِّمُها بين يَدَىْ خُصومِه، أو فعلَها حالَ الحُكومَةِ، حَرُمَ أخْذُها في هذه الحالِ؛ لأنَّها كالرِّشْوةِ. وهذا كلُّه مذهبُ الشَّافعيِّ. ورُوىَ عن أبي حنيفةَ وأصْحابِه، أنَّ قَبولَ الهَدِيَّةِ مَكْروهٌ غيرُ مُحَرَّمٍ. وفيما ذكرْناهُ دَلالةٌ على التَّحْريِم.

فصل: فأمَّا الرِّشْوَةُ في الحُكْمِ، ورِشْوَةُ العاملِ، فَحرامٌ بلا خِلافٍ. قال اللهُ تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (٨). قال الحسنُ، وسَعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، في تفسيرِه: هو الرِّشْوَةُ. وقال: إذا قَبِلَ القاضى الرِّشْوَةَ، بَلغتْ به إلى الكفرِ. ورَوَى عبدُ اللهِ بنُ عمرو، قال: لعنَ رسولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّاشِىَ والمُرْتَشِى. قال التِّرْمِذِيُّ (٩): هذا حديثُ حسنٌ صحيحٌ. ورواه أبو هُرَيْرةَ، وزادَ: "فِى الْحُكْمِ". وروَاه أبو بكرٍ، في "زادِ المُسافرِ" (١٠)، وزادَ: "وَالْمُرَاشِى" (١١) وهو السَّفيرُ بينهما. ولأن المُرتَشى إنَّما


= كتاب الأحكام. صحيح البخارى ٨/ ١٦٢، ٩/ ٨٨. ومسلم، في: باب تحريم هدايا العمال، من كتاب الإِمارة. صحيح مسلم ٣/ ١٤٦٣.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في هدايا العمال، من كتاب الإِمارة. سنن أبي داود ٢/ ١٢١، ١٢٢. والدارمى، في: باب ما يهدى لعمال الصدقة لمن هو، من كتاب الزكاة، وفى: باب في العامل إذا أصاب في عمله شيئا، من كتاب السير. سنن الدارمى ١/ ٣٩٤، ٢/ ٢٣٢. والإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ٤٢٣.
(٧) لم يرد في: الأصل، ب.
(٨) سورة المائدة ٤٢.
(٩) في: باب ما جاء في الراشى والمرتشى، من كتاب الأحكام. عارضة الأحوذى ٦/ ٨١، ٨٢.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في كراهية الرشوة، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود ٢/ ٢٧٠. وابن ماجه، في: باب التغليظ في الحيف والرشوة، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٧٥. جميعهم عن عبد اللَّه بن عمرو، وأخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ١٦٤، ١٩٠، ١٩٤، ٢١٢ عن عبد اللَّه بن عمرو، وفى: ٢/ ٣٨٧، ٣٨٨ عن أبي هريرة، وفى ٥/ ٢٧٩ عن ثوبان.
(١٠) ذكره ابن أبي يعلى، في ترجمته، في: طبقات الحنابلة ٢/ ١٢٠.
(١١) في م: "والراشى".

<<  <  ج: ص:  >  >>