لا تُضْمَنُ المرأةُ؛ لأنَّ ذلك ليس بسَبَبٍ لِهَلَاكِها (٧٣) في العادةِ. ولَنا، أنَّها نَفْسٌ هَلَكَتْ بإرْسالِه إليها، فضَمِنَها، كجَنِينِها، أو نَفْسٌ هلَكتْ بسَبَبِه، فغَرِمَها، كما لو ضَرَبَها فماتَتْ. وقولُه: إنَّه ليس بسَبَبٍ عادةً. قُلْنا: ليس كذلك، فإنَّه سَبَبٌ للإِسْقاطِ، والإِسْقاطُ سَبَبٌ للهَلَاكِ عادةً، ثم لا يتَعَيَّنُ في الضَّمانِ كونُه سَبَبًا مُعْتادًا، فإنَّ الضَّرْبةَ والضَّرْبتَيْنِ بالسَّوْطِ، ليست سَبَبًا للهلاكِ في العادةِ، ومتى أفْضَتْ إليه وجَبَ الضمانُ. وإن اسْتَعْدَى إنسانٌ على امرأةٍ، فألْقَتْ جَنِينَها، أو ماتَتْ فَزَعًا، فعلى عاقلةِ المُسْتَعْدِى الضَّمانُ، إن كان ظالِمًا لها، وإن كانت هي الظَّالمةَ، فأحْضَرَها عند الحاكمِ، فيَنْبَغِى أن لا يَضْمَنَها؛ لأنَّها سَبَبُ إحْضارِها بظُلْمِها، فلا يَضْمَنُها غيرُها، ولأنَّه اسْتَوْفَى حَقَّه، فلم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به، كالقِصاصِ، ويَضْمَنُ جَنِينَها؛ لأنَّه تَلِفَ بفِعْلِه، فأشْبَهَ ما لو اقْتصَّ منها.
فصل: ومَنْ أخَذَ طَعامَ إنسانٍ أو شَرَابَه في بَرِّيَّةٍ، أو مكانٍ لا يَقْدِرُ فيه على طَعامٍ وشَرابٍ، فهَلَكَ بذلك، أو هَلَكَتْ بَهِيمَتُه، فعليه ضَمانُ ما تَلِفَ به؛ لأنَّه سَبَبُ هَلاكِه. وإن اضْطُرَّ إلى طَعامٍ وشَرابٍ لغيرِه، فطَلَبه منه، فمَنَعه إيَّاه مع غِنَاه عنه في تلك الحالِ، فماتَ بذلك، ضَمِنَه المطلوبُ منه؛ لما رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه قَضَى بذلك، ولأنَّه إذا اضْطُرَّ إليه، صار أحَقَّ به ممَّن هو في يَدِه، وله أخْذُه قَهْرًا، فإذا مَنَعه إيَّاه، تَسَبَّبَ إلى إهْلاكِه بمَنْعِه ما يَسْتَحِقُّه، فلَزِمَه ضَمانُه، كما لو أخَذَ طَعامَه وشَرَابَه فهَلَكَ بذلك. وظاهرُ كلامِ أحمدَ، أنَّ الدِّيَةَ في مالِه؛ لأنَّه تَعَمَّدَ هذا الفِعْلَ الذي يَقْتُلُ مثلُه غالِبًا. وقال القاضي: تكونُ على عاقِلَتِه؛ لأنَّ هذا لا يُوجِبُ القِصاصَ، فيكونُ شِبْهَ العَمْدِ. وإن لم يَطْلُبْه منه، لم يَضْمَنْه؛ لأنَّه لم يَمْنَعْه، ولم يُوجَدْ منه فِعْلٌ تَسَبَّبَ به إلى هَلاكِه. وكذلك كلُّ مَنْ رأَى إنسانًا في مَهْلَكَةٍ، فلم يُنْجِه منها، مع قُدْرَتِه على ذلك، لم يَلْزَمْه ضَمانُه، وقد أسَاءَ. وقال أبو الخَطَّابِ: قِياسُ المسألةِ الأُولَى