للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريشٍ، فعدَتْ بنو بكرٍ على خُزاعَةَ، وأعانَهم بعضُ قُرَيْشٍ، وسَكَتَ الباقون، فكان ذلك نَقْضَ عهدِهم، وسارَ إليهم رسولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقاتَلَهُم. ولأنَّ سُكوتَهم يدلُّ على رِضاهُم، كما أَنَّ عَقْدَ الهُدْنَةِ مع بعضِهِم يدخلُ فيه جَمِيعُهم؛ لدلالَةِ سُكوتِهم على رِضَاهم، كذلك فى النَّقْضِ. وإنْ أنكرَ مَنْ لم يَنْقُضْ على النَّاقِضِ، بقولٍ أو فعلٍ ظاهرٍ، أو اعْتزالٍ، أو راسَلَ الإِمامَ بأنِّى مُنْكِرٌ لِمَا فعلَهُ النَّاقِضُ، مُقِيمٌ على العَهْدِ، لم يَنْتَقِضْ فى حَقِّهِ، ويَأْمُرُه الإِمامُ بالتَّمَيُّز (٣٢)، ليأخُذَ النَّاقِضَ وحدَه، فإن امْتَنَع من التَّمَيُّزِ، أو إسْلامِ النَّاقِضِ، صارَ ناقِضًا؛ لأنَّه منَع من أخْذِ النَّاقِضِ، فصارَ بمنزلَتِه، وإنْ لم يُمْكِنْه التَّمَيُّزُ، لم ينتَقِضْ (٣٣) عَهْدُه؛ لأنَّه كالأسِيرِ. فإنْ أَسَرَ الإِمامُ منهم قومًا، فادَّعَى الأسيرُ أَنَّه لم ينْقُضْ، وأشكلَ ذلك عليه، قُبِلَ قولُ الأسِيرِ؛ لأنَّه لا يُتَوَصَّلُ إلى ذلك إلَّا مِنْ قِبَلِه (٣٤).

فصل: وإنْ خافَ نَقْضَ العَهْدِ منهم، جازَ أنْ ينْبِذَ إليهم عَهْدَهُم؛ لقولِ اللَّه تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} (٣٥). يَعْنِى أَعْلِمْهم بِنَقضِ عَهْدِهِم، حتَّى تصيرَ أنتَ وهم سَواءً فى العِلْمِ، ولا يَكْفِى وُقوعُ ذلك فى قَلْبِه (٣٦)، حتَّى يكونَ عن أمَارَةٍ تدُلُّ على ما خافَه. ولا يجوزُ أنْ يبْدَأَهُم بقتالٍ ولا غارةٍ قبلَ إعْلامِهِم بنَقْضِ العَهْدِ؛ للآيَةِ، ولأنَّهم آمِنُون منه (٣٧) بحُكْمِ العَهْدِ، فلا يجوزُ قَتْلُهم، ولا أخْذُ مالِهم. فإنْ قيل: فقد قُلْتُم: إنَّ الذِّمِّىَّ إذا خِيفَ منه الخيانَةُ، لم يَنْتَقِض (٣٨) عَهْدُه. قُلْنا: عَقْدُ الذِّمَّةِ آكَدُ؛ لأنَّه يجِبُ على الإِمام إجابَتُهم (٣٩) إليه، وهو نَوْعُ مُعاوَضَةٍ، وعَقْدٌ مُؤَبَّدٌ، بخلافِ الهُدْنَةِ والأمانِ، ولهذا لو نَقَضَ بعضُ أهلِ الذِّمَّةِ، لم يَنْتَقِضْ عَهْدُ الباقِينَ، بخلافِ الهُدْنَةِ، ولأنَّ أهلَ الذِّمَّةِ فى قَبْضَةِ الإِمامِ، وتجبُ ولايَتُه، ولا يُخْشَى الضَّرَرُ كثيرًا من


(٣٢) فى ب: "بالتمييز".
(٣٣) فى ب: "ينقض".
(٣٤) فى أ، ب، م: "قبلهم".
(٣٥) سورة الأنفال ٥٨.
(٣٦) فى م: "قبوله".
(٣٧) سقط من: م.
(٣٨) فى ب: "ينقض".
(٣٩) فى ب: "إحالتهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>