للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصْبَحَ النَّاسُ صِيَامًا. فأتَيَا عمرَ. فذَكَرَا ذلك له، فقال لأحَدِهما: أصَائِمٌ أنْتَ؟ قال: بَلْ مُفْطِرٌ. قال: ما حَمَلَكَ على هذا؟ قال: لم أكُنْ لأصُومَ وقد رَأَيْتُ الهِلَالَ. وقال لِلآخَرِ، قال: أنا صَائِمٌ. قال: ما حَمَلَكَ على هذا؟ قال: لم أكُنْ لأُفْطِرَ والناسُ صِيَامٌ. فقال للذى أفْطَرَ: لولا مكانُ هذا لأوْجَعْتُ رَأْسَكَ. ثم نُودِي في النَّاسِ: أن اخْرُجُوا. أخْرَجَهُ سَعِيدٌ، عن ابنِ عُليَّةَ عن أيُّوبَ، عن أبي رَجَاء (٥). وإنَّما أرادَ ضَرْبَه لإفْطارِه بِرُؤْيَتِه، ودَفَعَ عنه الضَّرْب لِكَمالِ الشَّهَادَةِ به وبِصَاحِبِه. ولو جازَ له الفِطْرُ لَما أنْكَرَ عليه، ولا تَوَعَّدَهُ. وقالتْ عائشةُ: إنَّما يُفْطِرُ يومَ الفِطْرِ الإمامُ وجماعةُ المُسْلِمِينَ. ولم يُعْرَفْ لهما مُخَالِفٌ في عَصْرِهِما، فكان إجْمَاعًا، ولأنَّه يومٌ مَحْكُومٌ به من رمضانَ، فلم يَجُزِ الفِطْرُ فيه كاليومِ الذي قبلَه، وفارَقَ ما إذا قامَتِ البَيِّنَةُ، فإنَّه مَحْكُومٌ به مِن شَوَّال، بخِلافِ مَسْألَتِنا. وقَوْلُهم: إنَّه يَتَيَقَّنُ أنَّه من شَوَّال. قُلْنا: لا يَثْبُتُ اليَقِينُ؛ فإنَّه (٦) يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ الرَّائِي خُيِّلَ إليه، كما رُوِيَ أنَّ رجلًا في زَمَنِ عمرَ، قال: لقد رَأيْتُ الهِلالَ. فقال له: امْسَحْ عَيْنَكَ. فمَسَحَها، ثم قال له: تَرَاهُ؟ قال: لا. قال: لَعَلَّ شَعْرَةً من حاجِبِكَ تَقَوَّسَتْ على عَيْنِكَ، فَظَنَنْتَها هِلَالًا. أو ما هذا معناه.

فصل: فإن رَآهُ اثْنانِ، ولم يَشْهَدَا عندَ الحاكِمِ، جازَ لِمَنْ سَمِعَ شَهَادَتَهما الفِطْرُ، إذا عَرَفَ عَدالَتَهما، ولِكُلِّ واحدٍ منهما الفِطْرُ بقَوْلِهما؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وإذَا شَهِدَ اثْنَانِ فَصُومُوا وأَفْطِرُوا" (٧). وإن شَهِدَا عند الحَاكِمِ، فَرَدَّ شَهادَتَهما؛ لِجَهْلِه بِحَالِهما، فلِمَنْ عَلِمَ عَدالَتَهما الفِطْرُ بِقَوْلِهما؛ لأنَّ رَدَّ الحَاكِمِ هاهُنا ليس تَحَكُّمٌ منه، وإنَّما هو تَوَقُّفٌ لِعَدَمِ عِلْمِه. فهو كالوُقُوفِ


(٥) وأخرجه عبد الرزاق، في: باب أصبح الناس صياما وقد رئى الهلال، من كتاب الصيام. المصنف ٤/ ١٦٥.
(٦) في م: "لأنه".
(٧) تقدم تخريجه في صفحة ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>