للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب الحال التي تجبُ فيها النَّفَقةُ على الزَّوجِ

١٣٩٣ - مسألة؛ قال، رَحِمَه اللَّه: (وَإذَا تزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مِثلُهَا يُوطَأُ، فلم تَمْنَعْهُ نَفْسَهَا، وَلَا مَنَعَهُ أَوْليَاوُهَا، لَزِمَتْه النَّفَقَةُ)

وجملةُ ذلك أنَّ المرأةَ تَسْتَحِقُّ النَّفقةَ على زَوْجِها بشَرْطينِ؛ أحدهما، أنَّ تكونَ كبيرةً يُمْكِنُ (١) وطؤُها، فإن كانتْ صغيرةً لا تَحْتَمِلُ الوَطْءَ، فلا نفقةَ لها. وبهذا قال الحسنُ، وبكرُ بن عبد اللَّه الْمُزَنِيُّ، والنَّخَعِيِّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْيِ. وهو المَنْصوصُ (٢) عن الشافعيِّ. وقال في موضعٍ: لو قيل: لها النَّفَقةُ. كان مَذْهَبًا، وهذا قولُ الثَّوْرِيِّ؛ لأنَّ تَعَذُّرَ الوَطْءِ لم يكُنْ بفِعْلِها، فلم يَمْنَعْ وُجُوبَ النَّفقةِ لها، كالمَرَضِ. ولَنا، أنَّ النَّفقةَ تحبُ بالتَّمْكِينِ من الاسْتِمْتاعِ، ولا يُتَصَوَّرُ ذلك مع تَعَذُّرِ الاسْتِمْتاعِ، فلم تَجِبْ نفقَتُها، كما لو مَنَعَه أولياؤُها من تَسْلِيمِ نَفْسِها، وبهذا يَبْطُلُ ما ذكَرُوه، ويفارِقُ المَرِيضةَ، فإنَّ الاسْتِمْتاعَ بها مُمْكِنٌ، وإنَّما نَقْصَ بالمَرَضِ، ولأنَّ مَنْ لا تُمَكِّنُ الزَّوجَ من نَفْسِها، لا يَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَتُها، فهذه أَوْلَى؛ لأنَّ تلك يُمْكِنُ الزَّوْجَ قَهْرُها، والاسْتِمْتاعُ منها (٣) كُرْهًا، وهذه لا يُمْكِنُ ذلك فيها بحالٍ. الشَّرْط الثاني، أن تَبْذُلَ التَّمْكِينَ التَّامَّ من نَفْسِها لزَوْجِها، فأمَّا إن مَنَعَتْ نفسَها، أو مَنَعَها أولياؤُها، أو تَساكَتَا بعدَ العَقْدِ، فلم تَبْذُلْ ولم يَطْلُبْ، فلا نَفقةَ لها، وإن أقامَا زَمَنًا، فإنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تزَوَّجَ عائشةَ، ودَخَلَتْ عليه بعدَ سَنَتَيْنِ، ولم يُنْفِقْ إلَّا بعدَ دُخُولِه، ولم يَلْتَزِمْ (٤) نفقَتها لما مَضَى (٥)


(١) في ب: "ويمكن".
(٢) في أ، م: "منصوص".
(٣) في م: "بها".
(٤) في ب: "يلزم".
(٥) تقدم تخريجه في: ٩/ ٣٩٨. ويضاف إليه: وأخرجه البخاري، في: باب إنكاح الرجل ولده الصغار، وباب من =

<<  <  ج: ص:  >  >>