للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُرْفٌ في الشَّرْعِ، وهو ما ذَكَرْناه، فيَجِبُ حَمْلُه عليه، وتَقْدِيمُه على العُرْفِ اللُّغَوِىِّ، كالوضُوءِ والصَّلَاةِ والصَّوْمَ والحَجِّ، ولا وَجْهَ لِتَخْصِيصِه بذِى الرَّحمِ المَحْرَمِ، فإنَّ اسْمَ القَرَابةِ يَقَعُ على غيرِهم عُرْفًا وشَرْعًا، وقد تَحْرُمُ على الرَّجُلِ رَبِيبَتُه، وأُمَّهاتُ نِسَائِه، وحَلائِلُ آبائِه وأبْنائِه، ولا قَرَابةَ لهم، وتَحِلُّ له ابْنَةُ عَمِّه، وعَمَّتِه، وابْنةُ خالِه وخالَتِه، وهُنَّ من أقَارِبِه، وما ذَكَرُوه (١٠) من التَّفْصِيلِ لا يَقْتَضِيه اللَّفْظُ، ولا يَدُلُّ عليه دَلِيلٌ، فالمَصِيرُ إليه تَحَكُّمٌ، فأمَّا إن كان في لَفْظِه ما يَدُلُّ على إرَادَةِ قَرَابةِ أُمِّه، كَقوْلِه: وتُفَضَّلُ قَرَابَتِى من جِهَةِ أبِى على قَرَابَتِى من جهَةِ أُمِّى. أو قوله: إلَّا ابْنَ خَالَتِى فُلَانًا. أو نحو ذلك، أو قَرِينَة تُخْرِجُ بعضَهم، عُمِلَ بما دَلَّتْ عليه القَرِينَةُ؛ لأنَّها تَصْرِفُ اللَّفْظَ عن ظاهِرِه إلى غيرِه.

فصل: فإن وَصَّى لأَقْرَب أقَارِبِه، أو أقْرَبِ الناسِ إليه، أو أقرَبِهِم به رَحِمًا، لم يُدْفَعْ إلى الأَبْعَدِ مع وُجُودِ الأَقْرَبِ، فيُقَدَّمُ الأَبُ على كلِّ مَنْ أَدْلَى به من الأجْدادِ والإِخْوَةِ والأعْمامِ، والابنُ مُقَدَّمٌ عليهم وعلى كلِّ مَنْ أَدْلَى به. ويَسْتَوِى الأَبُ والابنُ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يُدْلِى بِنَفْسِه من غيرِ واسِطَةٍ. ويَحْتَمِلُ أن يُقَدَّمَ الابْنُ؛ لأنَّه يُسْقِطُ تَعْصِيبَ الأَبِ. والأَوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّ إسْقَاطَه (١١) تَعْصِيبَه لا يَمْنَعُ مُسَاوَاتَه في القُرْبِ، [ولا كَوْنَه] (١٢) أقْرَبَ منه، بِدَلِيلِ أنَّ ابْنَ الابنِ يُسْقِطُ تَعْصِيبَه مع بُعْدِه، ويُقَدّمُ الابْنُ على الجَدِّ، والأَبُ على ابْنِ الابْنِ. وقال أصْحابُ الشافِعِىِّ رَضِىَ اللَّه عنه: يُقَدَّمُ ابْنُ الابْنِ على الأَبِ، [في أحَدِ الوَجْهَيْنِ] (١٣)؛ لأنَّه يُسْقِطُ تَعْصِيبَه. ولَنا، أنَّ الأبَ يُدْلِى بنَفْسِه، ويَلِى ابْنَه من غيرِ حاجِزٍ، ولا يَسْقُطُ مِيرَاثُه بحالٍ، بخِلَافِ ابْنِ الابْنِ. والأَبُ والأمُّ سَوَاءٌ، وكذلك الابْنُ، والبِنْتُ، والجَدُّ أبو الأَبِ، وأبو الأُمِّ،


(١٠) في أ، م: "ذكره".
(١١) في أ، ب، م: "إسقاط".
(١٢) في الأصل: "ولأن أبوته".
(١٣) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>