للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَلَّل عَطِيَّتَهُم بأنَّهم "لم يُفَارِقُوا بَنِى هاشِمٍ، في جَاهِليَّةٍ ولَا إسْلَامٍ" (٥). ولم يُعْطِ قَرَابَةَ أُمِّه، وهم بنو زُهْرَةَ شَيئًا، ولم يُعْطِ منهم (٦) إلا مُسْلِمًا، فحُمِلَ مُطْلَقُ كَلَامِ المُوصِى على ما حُمِلَ عليه المُطْلَقُ من كَلَامِ اللَّه تعالى، وفُسِّرَ بما فُسِّرَ به. ويُسَوَّى بين قَرِيبِهِم وبَعِيدِهم، وذَكَرِهِم وأُنْثَاهُم؛ لأنَّ الوَصِيَّةَ لهم سَوَاءٌ، ويَدْخُلُ في الوَصِيَّةِ الكَبِيرُ والصَّغِيرُ، والغَنِىُّ والفَقيرُ، ولا يَدْخُلُ الكُفَّارُ؛ لأنَّهم لم يَدْخُلُوا في المُسْتَحقِّ من قُرْبَى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقد نَقَلَ عبدُ اللَّه، وصالِحٌ، عن أبِيهِما رِوَايةً أُخْرَى، أنَّه يُصْرَفُ إلى قَرَابةِ أُمِّه، إن كان يَصِلُهُم في حَيَاتِه، كأَخْوَالِه، وخَالاتِه، وإخْوَتِه (٧) من أُمِّه، وإن كان لا يَصِلُهُم، لم يُعْطَوْا شَيْئًا؛ لأنَّ عَطِيَّتَه لهم في حَيَاتِه قَرِينَةٌ دالَّةٌ على صِلَتِه لهم بعد مَمَاتِه، وإلَّا فلا. وعنه رِوَايةٌ أُخْرَى، أنَّه يُجَاوِزُ بها أرْبَعةَ آباءٍ. ذَكَرَها ابنُ أبي موسى، في "الإِرْشَادِ". وهذه الرِّوَايةُ تَدُلُّ على أن لَفْظَه لا يَتَقَيَّدُ بالقَيْدِ الذي ذَكَرْناه، فعلى هذا يعْطَى كلُّ مَن يُعْرَفُ بِقَرَابَتِه من قِبَلِ أَبِيه وأُمِّه، الذين يُنْسَبُونَ إلى الأَبِ الأَدْنَى الذي يُنْسَبُ إليه. وهذا مذهبُ الشافِعِيِّ؛ لأنَّهم قَرَابَةٌ، فيَتَناوَلُهُم الاسْمُ، ويَدْخُلُونَ في عُمُومِه. وإعْطاءُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لبعضِ قَرَابَتِه، تَخْصيِصٌ لا يَمْنَعُ من [العَمَلِ بالعُمُومِ] (٨) في غيرِ ذلك المَوْضِعِ. قال (٩) أبو حنيفةَ: قَرَابَتُه كلُّ ذِى رَحمٍ مَحْرَمٍ، فيُعْطَى مِن أدْنَاهُم اثْنانِ فصَاعِدًا، فإذا كان له عَمَّانِ وخَالانِ، فالوَصِيَّةُ لِعَمَّيْه، وإن كان له عَمٌّ وخَالَانِ، فلِعَمِّه النِّصْفُ ولِخَالَيْه النِّصْفُ. وقال قَتَادَةُ: للأَعْمامِ الثُّلُثانِ، وللأَخْوالِ الثُّلُثُ. وبه قال الحَسَنُ، قال: ويُزَادُ الأَقْرَبُ بعضَ الزِّيَادَةِ. وقال مالِكٌ: يُقَسَّمُ على الأَقْرَبِ فالأَقْرَبِ، بالاجْتِهَادِ. ولَنا، أنَّ هذا الاسْمَ له


(٥) تقدم تخريجه في: ٤/ ١١١.
(٦) في الأصل: "منه".
(٧) في أ، م: "وأخواته".
(٨) في م: "العموم".
(٩) في أ، م: "وقد قال".

<<  <  ج: ص:  >  >>