للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهِ لأَبَرَّهُ". مُتَّفَقٌ عليه (٢). وأجْمَعَ المسلمونَ على جَرَيانِ القِصاصِ فيما دُونَ النَّفْسِ إذا أمْكَنَ، ولأنَّ ما دون النَّفْسِ كالنَّفْسِ في الحاجةِ إلى حِفْظِه بالقِصاصِ، فكان كالنَّفْسِ في وُجُوبِه.

فصل: ويُشْتَرَطُ لوُجُوبِ القِصاصِ في الجُروحِ ثلاثةُ أشياء؛ أحدها، أن يكونَ عَمْدًا مَحْضًا، فأمَّا الخطأُ فلا قِصاصَ فيه إجماعًا، ولأنَّ الخطأ لا يُوجِبُ القِصاصَ في النَّفْسِ، وهى الأصْلُ، ففيما دُونَها أوْلَى. ولا يَجِبُ بعَمْدِ الخَطإِ، وهو أن يَقْصِدَ ضَرْبَه بما لا يُفْضِى إلى ذلك غالِبًا، مثل أن يَضْرِبَه بحَصاةٍ لا يُوضِحُ مِثْلُها، فتُوضِحَه، فلا يَجِبُ به القِصاصُ؛ لأنَّه شِبْهُ العَمْدِ، ولا يجبُ القِصاصُ إلَّا بالعَمْدِ المَحْضِ. وقال أبو بكر: يجبُ به القِصاصُ، ولا يُرَاعَى فيه ذلك؛ لعُمومِ الآية. الثاني، التَّكافؤُ بين الجارِحِ والمَجْرُوحِ، وهو أن يكونَ الجانِي يُقَادُ من المَجْنِى عليه لو قَتَلَه، كالحُرِّ المُسْلِم مع الحرِّ المسلمِ، فأمَّا مَنْ لا يُقْتَلُ بقَتْلِه، فلا يُقْتَصُّ منه فيما دُونَ النَّفْسِ له، كالمسلمِ مع الكافرِ، والحُرِّ مع العَبْدِ، والأبِ مع ابْنِه؛ لأنَّه لا تُؤْخَذُ نَفْسُه بنَفْسِه، فلا يؤخذُ طَرَفُه بطَرَفِهِ، ولا يُجْرَحُ بجُرْحِه، كالمسلمِ مع المُسْتَأْمنِ. الثالث، إمْكانُ الاسْتِيفاءِ من غير حَيْفٍ ولا زِيادةٍ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (٣). وقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى


(٢) أخرجه البخاري، في: باب الصلح في الدية، من كتاب الصلح، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ. . .}، من كتاب الجهاد، وفى: باب قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا}، وباب قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}. من كتاب التفسير. صحيح البخاري ٣/ ٢٤٣، ٤/ ٢٣، ٦/ ٢٩، ٦٥، ٦٦. ومسلم، في: باب إثبات القصاص في الأسنان وما في معناها، من كتاب القسامة. صحيح مسلم ٣/ ١٣٠٢.
كما أخرجه أبو داود، في: باب القصاص من السن، من كتاب الديات. سنن أبي داود ٢/ ٥٠٣. والنسائي، في: باب القصاص من الثنية، من كتاب القسامة. المجتبى ٨/ ٢٤، ٢٥. وابن ماجه، في: باب القصاص في السن، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٨٤، ٨٨٥. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ١٢٨، ١٦٧، ٢٨٤.
(٣) سورة النحل ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>