للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرامِ، وشَقَّ التَّوَرُّعُ عن الجَميعِ، بخِلافِ القَلِيلِ، فإنَّه يَسْهُلُ إخْراجُ الكُلِّ. والواجِبُ فى المَوْضِعَيْنِ إخراجُ قَدْرِ الحرامِ، والباقى مُباحٌ له؛ وهذا لأنَّ تَحْرِيمَه لم يَكُنْ لتَحْرِيمِ عَيْنِه، وإنّما حُرِّمَ لتَعَلُّقِ حَقِّ غيرِه به، فإذا أخْرَجَ عِوَضَه زالَ التَّحْرِيمُ عنه، كما لو كان صاحِبُه حاضِرًا فرَضِىَ بعِوَضِه، وسواءٌ كان قَلِيلًا أو كَثِيرًا. والوَرَعُ إخراجُ ما يَتَيَقَّنُ به إخراجَ عَيْنِ (٦٠) الحرامِ، ولا يَحْصُلُ ذلك إلّا بإخراجِ الجَمِيعِ، لَكِنْ لَمّا شَقَّ ذلك فى الكَثِيرِ، تُرِكَ لأجلِ المَشَقَّةِ فيه، واقْتُصِرَ على الواجِبِ. ثم يَخْتَلِفُ هذا باخْتِلافِ النّاسِ؛ فمِنْهم مَن لا يَكونُ له سِوَى (٦١) الدَّراهِمِ اليَسِيرَةِ، فَيَشُقُّ إخراجُها؛ لحاجَتِه إليها، ومِنهم مَن يكونُ له مالٌ كَثِيرٌ، فَيَسْتَغْنِى عنها، فَيَسْهُلُ إخراجُها.

فصل: قد ذَكَرْنا أنّ [ظاهِرَ المذهبِ] (٦٢)، أنَّه (٦٣) لا يجوزُ بَيْعُ كُلِّ ماءٍ عِدٍّ (٦٤)، كمِياهِ العُيُونِ، ونَقْعِ البِئْرِ فى أماكِنِه قَبْلَ إحْرازِه فى إنائِه، ولا الكَلَأِ فى مَواضِعِه قَبْلَ حِيازَتِه. فعلى هذا؛ متى باعَ الأرضَ وفيها كَلَأ أو ماءٌ، فلا حَقَّ للبائِعِ فيه. وقد ذَكَرْنا روايةً أُخْرَى؛ أنَّ ذلك مَمْلُوكٌ، وأنَّه يَجُوزُ بَيْعُه. فعلى هذه الرِّوايةِ، إنْ باعَ الأرضَ، فذَكَرَ الماءَ والكَلَأ فى البَيْعِ، دَخَلَ فيه، وإنْ لم يَذْكُرْه، كان الماءُ المَوْجُودُ والكَلَأُ للبائِعِ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ فى الأرضِ. والماءُ أصلٌ بنَفْسِه، فهو كالطَّعامِ فى الدّارِ، فما يَتَجَدَّدُ بَعْدَ البَيْعِ، فهو للمُشْتَرِى. وعلى هذه الرِّوايةِ، إذا باعَ مِن هذا الماءِ آصُعًا مَعْلُومَةً، جازَ؛ لأنَّه كالصُّبْرَةِ، وإنْ باعَ كُلَّ ماءِ البِئْرِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه يَخْتَلِطُ بغيرِه. ولو باعَ مِن النَّهْرِ الجارى آصُعًا، لم يَجُزْ؛ لأنَّ ذلك الماءَ يَذْهَبُ، ويَأْتِى غيرُه.


(٦٠) فى م: "عن".
(٦١) فى م: "إلا".
(٦٢) فى م: "الظاهر من المذهب".
(٦٣) سقط من: الأصل.
(٦٤) العِدّ، بالكسر: الماء الجارى الذي له مادة لا تنقطع كماء العين. القاموس.

<<  <  ج: ص:  >  >>