للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يُقْتلْ به؛ لأنَّ النِّصْفَ الرَّقِيقَ لا يُقْتَلُ به الحُرُّ. وإن قَتَلَ مَنْ نِصْفُه حُرٌّ مَنْ نِصْفُه حُرٌّ، قُتِلَ به؛ لأنَّ القِصاصَ يَقَعُ بين الجُمْلتينِ من غيرِ تَفصِيلٍ، وهما مُتساوِيان (٦).

فصل: ويجْرِي القِصاصُ بين الوُلاةِ والعُمَّالِ وبين رَعيَّتِهم؛ لعُمومِ الآياتِ والأخبارِ، ولأن المؤمنينَ تتَكافَأُ دماؤُهم، ولا نعلمُ في هذا خلافًا. وثَبَتَ عن أبي بكرٍ، رِضِيَ اللَّه عنه، أنَّه قال لرَجُلٍ شَكَى إليه عاملًا أنَّه قَطَعَ يَدَه ظُلْمًا: لَئِنْ كنتَ صادِقًا، لأُقِيدَنَّكَ منه (٧). وثَبَتَ أنَّ عمرَ، رَضِيَ اللَّه عنه، كان يُقِيدُ من نَفْسِه. ورَوَى أبو داودَ (٨)، قال: خَطَبَ عمرُ، فقال: إنِّي لم أَبْعَثْ عُمّالِي لِيَضْرِبُوا أبشارَكمُ، ولا ليأْخُذُوا أمْوالَكُم، فمَن فُعِلَ به ذلك، فلْيَرْفَعْه إليَّ، أَقُصُّه منه. فقال عَمْرُو بن العاصِ: لو أنَّ رَجُلًا أدَّبَ بعضَ رَعِيَّتِه، أتَقُصُّه (٩) منه؟ قال: أيْ والذي نَفسي بيَدِه، أقَصُّه منه، وقد رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقَصَّ من نَفْسِه. ولأنَّ المؤمنينَ تتَكَافَأُ دماؤُهم، وهذان حُرَّانِ مُسْلِمان، ليس بينهما إيلادٌ (١٠)، فيجْرِي القِصاصُ بينهما، كسائرِ الرّعِيَّةِ.

فصل: وإذا قَتَلَ القاتلَ غيرُ وَلِيِّ الدَّمِ، فعلى قاتِلِه القِصاصُ، ولِوَرَثةِ الأوَّلِ الدِّيَةُ في تَركَةِ الجانِي الأوَّلِ، وبهذا قال الشافعيُّ. وقال الحسنُ، ومالكٌ: يُقْتَلُ قاتِلُه، ويَبْطُلُ دَمُ الأوَّلِ؛ لأنَّه فات مَحَلُّه، فأشْبهَ ما لو قَتَلَ العَبْدَ الجانِيَ. ورُوِيَ عن قَتَادة وأبي هاشمٍ: لا قَوَدَ على الثانِي؛ لأنَّه قَتَلَ مُباحَ الدَّمِ، فلم يَجِبْ بقَتْلِه قِصاصٌ، كالزَّانِي المُحْصَنِ. ولَنا، على وُجُوبِ القِصاصِ على قاتِلِه، أنَّه مَحَلٌّ لم يتَحَتَّمْ قَتْلُه، ولم يُبَحْ لغيرِ وَلِيِّ الدَّمِ قَتْلُه، فوَجَبَ القِصاصُ بقَتْلِه، كما لو كان عليه دَيْنٌ. ولَنا، على وُجُوبِ


(٦) في م: "مستويان".
(٧) أخرجه الدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ١٨٤.
(٨) في: باب القود من الضربة وقص الأمير من نفسه، من كتاب الديات. سنن أبي داود ٢/ ٢٨٩.
كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٤١.
(٩) في م: "تقصه".
(١٠) في م: "إيلاء".

<<  <  ج: ص:  >  >>