للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} (٧). وقال: {بِالمُؤمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (٨). فهذا إنْ نَوَى به اسمَ اللَّه تعالَى، أو أطلقَ، كان يَمِينًا؛ لأنَّه بإطْلاقِه يَنْصَرِفُ إليه. وإِنْ نَوَى به غيرَ (٩) اللَّهِ تعالَى، لم يكُنْ يَمِينًا؛ لأنَّه يُسْتَعْمَلُ فى غيرِه، فينْصَرفُ بالنِّيَّةِ إلى ما نَواه. وهذا مذهَبُ الشافِعِىِّ. شقال طَلْحةُ العَاقُولِىُّ (١٠): إذا قال: والربِّ، والخالِقِ والرَّازِقِ. كان يَمِينًا على كُلِّ حالٍ، كالأوَّلِ؛ لأنَّها لا تُسْتَعْمَلُ مع التَّعْريفِ بلامِ التّعْريِف إلّا فى اسْمِ اللَّهِ، فأشْبَهَتِ القِسْمَ الأَوَّلَ. الثالِثُ، ما يُسَمَّى به اللَّه تعالَى وغيرُه، ولا يَنْصَرِفُ إليه بإطْلاقِه، كالحَىِّ، والعالِمِ، والمَوْجودِ، والمُؤْمِنِ، والكريمِ، والشَّاكرِ. فهذا إنْ قَصَدَ به الْيَمِينَ باسمِ اللَّه تعالَى كان يَمِينًا، وإِنْ أطلقَ، أو قَصَدَ غيرَ اللَّه تعالَى، لم يكُنْ يَمِينًا، فيخْتَلِفُ هذا القِسْمُ والذى قَبْلَه فى حالَةِ الإِطْلاقِ، ففى الأَوَّلِ يكونُ يَمِينًا، وفى الثانى لا يكونُ يَمِينًا. وقال القاضِى، والشافِعِىُّ، فى هذا القِسْم: لا يكونُ يَمِينًا، وإِنْ قَصَدَ به اسمَ اللَّهِ تعالَى؛ لأنَّ اليَمينَ إنما تَنْعَقِدُ لحُرْمَةِ الاسمِ، فمع الاشْتِراكِ لا تكون له حُرْمَةٌ، والنِّيَّةُ المُجَرَّدةُ لا تَنْعَقِدُ بها الْيَمِينُ. ولَنا، أنَّهُ اقسَمَ باسْمِ اللَّهِ تعالَى، قاصِدًا به الحَلِفَ به، فكان يَمِينًا مُكَفَّرَةً، كالقِسْمِ الذى قبلَه. وقولُهم: إِنَّ النِّيَّةَ المُجَرَّدَةَ لا تَنْعَقِدُ بها الْيَمِينُ. نقولُ به، وما انْعَقَدَ بالنِّيَّةِ المُجَرَّدَةِ إنَّما انْعَقَدَ بالاسْمِ المُحْتَمِلِ، المُرادِ به اسمَ اللَّه تعالَى، فإنَّ النِّيَّةَ تَصْرِفُ اللَّفْظَ المُحْتَمِلَ إلى أحَدِ مُحْتَمَلاِته، فيصيرُ كالمُصرَّحِ به، كالكناياتِ وغيرِها، ولهذا لو نَوَى بالقِسْمِ الذى قَبْلَه غيرَ اللَّهِ تعالى، لم يكُنْ يَمِينًا، لنِيَّتِه.

فصل: والقَسَمُ بصِفَاتِ اللَّه تعالى، كالقَسَمِ بأسمائِه. وصِفَاتُه تَنْقَسمُ أيضًا ثلَاثَةَ أقسامٍ؛ أَحَدُها، ما هو صفاتٌ لذاتِ اللَّه تعالَى، لا يَحْتَمِلُ غيرَها، كعِزَّة اللَّهِ تعالَى، وعَظَمَتِه، وجَلالِه، وكِبْريائِه، وكَلامِه. فهذه تَنْعَقِدُ بها الْيَمِينُ فى قولِهم جميعًا. وبه


(٧) سورة النساء ٨.
(٨) سورة التوبة ١٢٨.
(٩) فى ب زيادة: "اسم".
(١٠) أبو البركات طلحة بن أحمد بن طلحة الكندى العاقولى، تفقَّه ببغداد على أبى يعلى بن الفراء، وتوفى بعد سنة عشر وخمسمائة. والعاقولى؛ نسبة إلى دير العاقول، وهى بليدة بالقرب من بغداد. اللباب ٢/ ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>