للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنيفَةَ: لا تَبْطُلُ بذلكَ؛ لأنَّها عبادَةٌ صَحَّ دخولُه فيها، فلم تَفْسُدْ بِنِيَّةِ الخروجِ منها، كالحَجِّ. ولَنا، أنَّه قَطَعَ حُكْمَ النِّيَّةِ قبلَ إتْمَامِ صلاتِهِ، ففَسَدَتْ، كما لو سَلَّمَ يَنْوِى الخروجَ منها، ولأنَّ النِّيَّةَ شرطٌ في جَمِيعِ الصلاةِ، وقد قَطَعَها بما حَدَثَ، ففَسَدَتْ لذهابِ شَرْطِها، وفارَقَتِ الحَجَّ؛ فإنَّه لا يَخْرُجُ منه بِمَحْظُورَاتِهِ، ولا بِمُفْسِدَاتِه، بخِلَافِ الصلاةِ. فأمَّا إنْ تَرَدَّدَ في قَطْعِها، فقال ابنُ حامدٍ: لا تَبْطُلُ؛ لأنَّه دَخَلَ فيها بِنِيَّةٍ مُتَيَقَّنَةٍ، فلا تَزُولُ بالشكِّ وَالتَّرَدُّدِ، كسائِرِ العباداتِ. وقال القاضي: يَحْتَمِلُ أنْ تَبْطُلَ. وهو مذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ اسْتِدَامَةَ النِّيَّةِ شَرْطٌ، ومع التَّرَدُّدِ لا يكونُ مُسْتَدِيمًا لها، فأَشْبَهَ ما لو نَوَى قَطْعَها.

فصل: والوَاجِبُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ النِّيَّةِ دونَ حَقِيقَتِهَا، بمعنَى أنَّه لَا يَنْوِى قَطْعَها. ولو ذَهَلَ عنها وعَزَبَتْ عنه فِي أثناءِ الصلاةِ، لم يُؤَثِّرْ ذلكَ في صِحَّتِهَا؛ لأنَّ التَّحَرُّزَ من هذا غيرُ ممكن، ولأنَّ النِّيَّةَ لا تُعْتَبَرُ حَقِيقَتُها في أثناءِ العبادةِ، بدَلِيلِ الصومِ وغيرِه، وقد رُوِىَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، ولَهُ حُصَاصٌ (٧)، فَإِذَا قُضِىَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطرُ بَيْنَ المَرْءِ ونَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، حَتَّى يَظَلَّ أحَدُكُم أنْ لَا يَدْرِى كَمْ صَلَّى". مُتَّفَقٌ عليهِ (٨). ورَوَاهُ مالكٌ، في "المُوَطَّإِ" (٩). ورُوِىَ عن عمرَ،


(٧) الحصاص: الضراط.
(٨) أخرجه البخاري، في: باب فضل التأذين، من كتاب الأذان، وفي: باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة، من كتاب العمل في الصلاة، وفي: باب إذا لم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا سجد سجدتين وهو جالس، وباب السهو في الفرض والتطوع، من كتاب السهو، وفي: باب صفة إبليس وجنوده، من كتاب بدء الخلق. صحيح البخاري ١/ ١٥٨، ٢/ ٨٤، ٨٥، ٨٧، ٤/ ١٥١. ومسلم، في باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، من كتاب الصلاة، وفي: باب السهو في الصلاة والسجود له، من كتاب المساجد. صحيح مسلم ١/ ٢٩١، ٢٩٢، ٣٩٨، ٣٩٩. كما أخرجه أبو داود، في: باب رفع الصوت في الأذان، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٢٣. والنسائي، في: باب فضل التأذين، من كتاب الأذان. المجتبى ٢/ ١٩. والدارمي، في: باب الشيطان إذا سمع النداء فرّ، وباب الرجل لا يدرى أثلاثا صلى أم أربعا، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي ١/ ٢٧٣، ٣٥٠، ٣٥١. والإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٣١٣، ٤٦٠، ٤٨٣، ٥٠٣، ٥٠٤، ٥٢٢.
(٩) في: باب ما جاء في نداء الصلاة، من كتاب النداء. الموطأ ١/ ٦٩، ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>