يُمْكِنُ الاسْتِيلَاءُ عليه على وَجْهٍ يَحُولُ بينه وبين مَالِكِه، مثل أن يَسْكُنَ الدَّارَ ويَمْنَعَ مالِكَها من دُخُولِهَا، فأَشْبَهَ ما لو أخَذَ الدّابّةَ والمَتَاعَ. وأمَّا إذا حال بينه وبين مَتَاعِه، فما اسْتَوْلَى على مالِه، فنَظِيرُه ههُنا أن يَحْبِسَ المالِكَ، ولا يَسْتَوْلِى على دَارِه. وأمَّا ما تَلِفَ من الأَرْضِ بِفِعْلِه، أو سَبَبِ فِعْلِه، كهَدْمِ حِيطَانِها، وَتَغْرِيقِها، وكَشْطِ تُرَابِهَا، وإلْقَاءِ الحِجَارَةِ فيها، أو نَقْصٍ يَحْصُلُ بِغَرْسِه أو بِنَائِه، فيَضْمَنُه بغيرِ اخْتِلَافٍ في المَذْهَبِ، ولا بين العُلَمَاءِ؛ لأنَّ هذا إِتْلَافٌ، والعَقَارُ يُضْمَنُ بالإِتْلافِ من غيرِ اخْتِلَافٍ. ولا يَحْصُلُ الغَصْبُ من غيرِ اسْتِيلَاءٍ، فلو دَخَلَ أرْضَ إِنْسانٍ أو دَارَه، لم يَضْمَنْها بِدُخُولِه، سواءٌ دَخَلَها بإذْنِه أو غيرِ إِذْنِه، وسواء كان صَاحِبُها فيها أو لم يكُنْ. وقال بعضُ أصْحابِ الشّافِعِيِّ: إن دَخَلَها بغير إِذْنِه، ولم يكُنْ صَاحِبُها فيها، ضَمِنَها، سواءٌ قَصَدَ ذلك، أو ظَنَّ أنَّها دَارُه، أو دَارٌ أذِنَ له في دُخُولِها؛ لأنَّ يَدَ الدَّاخِلِ ثَبَتَتْ عليها بذلك، فيَصِيرُ غَاصِبًا، فإنَّ الغَصْبَ إِثْبَاتُ اليَدِ العَادِيَةِ، وهذا قد ثَبَتَتْ يَدُه، بِدَلِيلِ أنَّهما لو تَنَازَعَا في الدّارِ ولا بَيِّنَةَ لهما، حُكِمَ بها لمن هو فيها، دُونَ الخَارِجِ منها. ولَنا، أنَّه غيرُ مُسْتَوْلٍ عليها، فلم يَضْمَنْها، كما لو دَخَلَها بإِذْنِه، أو دَخَلَ صَحْرَاءَهُ، ولأنَّه إنَّما يَضْمَنُ بالغَصْبِ ما يَضْمَنُه في العَارِيَّةِ، وهذا لا تَثْبُتُ به العَارِيَّةُ، ولا يَجِبُ به الضَّمَانُ فيها، فكذلك لا يَثْبُتُ به الغَصْبُ، إذا كان بغيرِ إذْنٍ.
الفصل الثاني: أنَّه إذا غَرَسَ في أَرْضِ غيرِه بغيرِ إِذْنِه، أو بَنَى فيها، فطَلَبَ صاحِبُ الأَرْضِ قَلْعَ غِرَاسِه أو بِنَائِه، لَزِمَ الغاصِبَ ذلك. ولا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا؛ لما رَوَى سَعِيدُ بن زَيْدِ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"لَيْسَ لِعِرْقٍ ظالِمٍ حَقٌّ" رَوَاهُ أبو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ (٤)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. ورَوَى أبو دَاوُدَ، وأبو عُبَيْدٍ في الحَدِيثِ أنَّه قال: فلقد أخْبَرَنِى الذي حَدَّثَنِى هذا الحَدِيثَ، أنَّ رَجُلًا غَرَسَ في أَرْضِ رَجُلٍ من الأَنْصَارِ، مِن بنى بَيَاضَةَ، فَاخْتَصَمَا إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقَضَى لِلرَّجُلِ بأَرْضِه، وقَضَى