للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلآخَرِ أن يَنْزِعَ نَخْلَهُ. قال: فلقد رَأَيْتُها تُضْرَبُ في أُصُولِهَا بالفُؤوسِ، وإنَّها لَنَخْلٌ عُمٌّ (٥). ولأنَّه شَغَلَ مِلْكَ غيرِه، بمِلْكِه الذي لا حُرْمَةَ له في نَفْسِه، بغيرِ إِذْنِه، فلَزِمَهُ تَفْرِيغُه، كما لو جَعَلَ فيه قُمَاشًا. وإذ قَلَعَها لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الحَفْرِ، ورَدُّ الأَرْضِ إلى ما كانت عليه؛ لأنَّه ضَرَرٌ حَصَلَ بِفِعْلِه في مِلْكِ غيره، فلَزِمَتْهُ إزَالَتُه. وإن أرَادَ صاحِبُ الأَرْضِ أَخْذَ الشَّجَرِ والبِنَاءِ بغير عِوَضٍ، لم يكُنْ له ذلك؛ لأنَّه عَيْنُ مالِ الغاصِبِ، فلم يَمْلِكْ صاحِبُ الأرْضِ أَخْذَه، كما لو وَضَعَ فيها أثَاثًا أو حَيَوانًا. وإن طَلَبَ أخْذَه بقِيمَتِه، وأَبَى مالِكُه إلَّا القَلْعَ، فله القَلْعُ؛ لأنَّه (٦) مِلْكُه، فمَلَكَ نَقْلَهُ. ولا يُجْبَرُ على أَخْذِ القِيمَةِ؛ لأنَّها مُعَاوَضَةٌ، فلم يُجْبَرْ عليها. وإن اتَّفَقَ على تَعْوِيضِه عنه بالقِيمَةِ أو غيرِها، جَازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، فجَازَ ما اتَّفَقَا عليه. وإن وَهَبَ الغاصِبُ الغِرَاسَ والبِنَاءَ لِمَالِكِ الأرْضِ، لِيَتَخَلَّصَ من قَلْعِه، وقَبِلَهُ المالِكُ، جَازَ. وإن أبَى قَبُولَه، وكان في قَلْعِه غَرَضٌ صَحِيحٌ [لم يُجْبَرْ على قَبُولِه؛ لما تَقَدَّم، وإن لم يكُنْ فيه غَرَضٌ صحيحٌ] (٧) احْتَمَلَ أنَّ يُجْبَرَ على قَبُولِه؛ لأنَّ فيه رَفْعَ الخُصُومَةِ مِن غيرِ غَرَضٍ يَفُوتُ، ويَحْتَمِلُ أنَّ لا يُجْبَرَ؛ لأنَّ فيه إِجْبَارًا على عَقْدٍ يُعْتَبَرُ الرِّضَى فيه. وإن غَصَبَ أَرْضًا وغِرَاسًا من رَجُلٍ واحدٍ، فغَرَسَهُ فيها (٨) فالكُلُّ لِمَالِكِ الأرْضِ. فإن طَالَبَهُ المالِكُ بِقَلْعِه، وفي قَلْعِه غَرَضٌ، أُجْبِرَ على قَلْعِه؛ لأنَّه فَوَّتَ عليه غَرَضًا مَقْصُودًا بالأرْضِ، فأُخِذَ بإعَادَتِها إلى ما كانت، وعليه تَسْوِيَةُ الأرْضِ، ونَقْصُها، ونَقْصُ الغِرَاسِ؛ لما ذَكَرْنا. وإن لم يكُنْ في قَلْعِه غَرَضٌ، لم يُجْبَرْ على قَلْعِه؛ لأنَّه سَفَهٌ، فلا يُجْبَرُ على السَّفَهِ. وقيل: يُجْبَرُ؛ لأنَّ المالِكَ مُحَكَّمٌ في مِلْكِه، والغاصِبُ غيرُ مُحَكَّمٍ، فإن أرَادَ الغاصِبُ قَلْعَه، ومَنَعَهُ المالِكُ (٩) لم يَمْلِكْ


(٥) أخرجه أبو داود، في: باب في إحياء الموات، من كتاب الإِمارة، سنن أبي داود ٢/ ١٥٨. وأبو عبيد في غريب الحديث ١/ ٢٩٦.
وعُمٌّ: أي طوال. اللسان (ع م م).
(٦) في الأصل: "فإنه".
(٧) سقط من: م.
(٨) في م: "فيه".
(٩) في م: "الحاكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>