للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا أولى؛ لأنَّ تَشْرِيدَهم إخْراجٌ (٥) لهم إلى مكانٍ يَقْطَعُونَ فيه الطَّريقَ، ويُؤْذُونَ به النَّاسَ، فكانَ حَبْسُهم أَوْلَى. وحَكَى أبو الخَطَّابِ، عن أحمدَ، رِوايةً أُخْرَى، معناها أنَّ نَفْيَهم طلبُ الإِمامِ لهم، فإذا ظَفَرَ بهم عَزَّرَهم بما يَرْدَعُهم. ولَنا، ظاهرُ الآية، فإنَّ النَّفْىَ الطَّرْدُ والإِبْعادُ، والحبسُ إمساكٌ، وهما يتنَافيانِ. فأمَّا نَفْيهُم إلى غيرِ مكانٍ مُعَيَّنٍ، فلقولِه سبحانه: {أوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}. وهذا يتناوَلُ (٦) نَفْيَه من جَمِيعِها. وما ذكروه يَبْطُل بنَفْىِ الزَّانِى، فإنَّه يُنْفَى إلى مكانٍ يَحْتَمِلُ أن يوجدَ منه الزِّنِى فيه. ولم يذكرْ أصحابُنا قدرَ مُدَّةِ نَفْيهِم، فيَحْتَمِلُ أن تتقدَّرَ مُدَّتُه بما تَظْهَرُ فيه تَوْبَتُهُم، وتَحْسُنُ سِيرَتُهم. ويَحْتَمِلُ أن يُنْفَوْا عامًا، كنَفْىِ الزَّانِى.

١٥٩٨ - مسألة؛ قال: (فَإنْ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أن يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ، سَقَطَتْ عَنْهُم حُدُودُ (١) اللهِ تعَالَى، وأُخِذُوا بِحُقُوقِ الآدَمِيِّينَ؛ مِنَ الأنْفُسِ، والجِرَاحِ، والأمْوَالِ، إلَّا أنْ يُعْفَى لَهُم عَنْهَا)

لا نعلمُ في هذا خلافًا [بينَ أهلِ العلمِ] (٢). وبه قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وأبُو ثَوْرٍ. والأصلُ في هذا قولُ اللَّه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣). فعلى هذا يسْقُطُ عنهم تَحَتُّمُ القَتْلِ والصَّلْبِ، والقَطْعِ والنَّفْىِ، ويَبْقَى عليهم القِصَاصُ في النَّفْسِ والجِرَاحِ، وغَرامةُ المالِ والدِّيَةُ لما لا قِصَاصَ فيه. فأمَّا إن تابَ بعدَ القُدْرةِ عليه، لم يَسْقُطْ عنه شَىْءٌ من الحُدودِ؛ لقولِ اللَّه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}. فأوجبَ عليهم الحَدَّ، ثم اسْتَثْنَى التَّائِبِينَ قبلَ القُدْرةِ، فمَنْ عَدَاهم يَبْقَى على قضيةِ العُمومِ، ولأنَّه إذا تابَ قبلَ القُدْرةِ،


(٥) في م: "خرج".
(٦) في ب: "يتناوله".
(١) في ب: "حقوق".
(٢) سقط من: الأصل، ب.
(٣) سورة المائدة ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>