للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَيِّقةً، وليس معها مَحْرَمُها، أو لا يُمْكِنُها الإِقامةُ فيها إلَّا بحيثُ تَخْتَلِطُ بالرِّجالِ، لَزِمَها الانْتِقالُ عنها (٧٩) إلى موضعٍ سِوَاها.

١٣٦٤ - مسألة؛ قال: (والْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، تَتَوَقَّى الطِّيبَ، والزِّينَةَ، والكُحْلَ بالْإِثْمِدِ)

اخْتَلفَتِ الرِّواية عن أحمدَ، في وُجُوبِ الإِحْدادِ على المُطلَّقةِ البائِنِ؛ فعنه، يجبُ عليها. وهو قولُ سعيد بن المُسَيَّبِ، وأبي عُبَيْدٍ، وأبي ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. والثانية، لا يجبُ عليها. وهو قولُ عَطاءٍ، ورَبِيعةَ، ومالكٍ، وابنِ المُنْذِرِ. ونحوُه قولُ الشافعيِّ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا يَحِلُّ لِامْرأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ، أنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ، أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا" (١). وهذه عِدَّةُ الوَفاةِ، فيَدُلُّ على أنَّ الإِحْدادَ إنَّما يَجِبُ في عِدَّةِ الوَفاةِ، ولأنَّها مُعْتَدَّةٌ عن غيرِ وَفاةٍ، فلم يَجِبْ عليها الإِحْدادُ، كالرَّجْعِيّةِ، والمَوْطُوءةِ بشُبْهةٍ، ولأنَّ الإِحْدادَ في عِدَّةِ الوفاةِ لإِظْهارِ الأسَفِ على فِرَاقِ زَوْجِها ومَوْتِه، فأمَّا الطَّلاقُ فإنَّه فارَقَها باخْتيارِ نَفْسِه، وقَطَعَ نِكاحَها، فلا معنى لتَكْلِيفها الحُزْنَ عليه، ولأنَّ المُتَوَفَّى عنها لو أتَتْ بوَلَدٍ، لَحِقَ الزَّوجَ، وليس له مَنْ يَنْفِيه، فاحْتِيطَ عليها بالإِحْدادِ، لئلَّا يَلْحَقَ بالميِّتِ مَنْ ليس منه، بخلافِ المُطَلَّقةِ، فإنَّ زَوْجَها باقٍ، فهو يحْتاطُ عليها بنَفْسِه، ويَنْفِى وَلَدَها إذا كان من غيرِه. ووَجْهُ الرِّوايةِ الأُولَى، أنَّها مُعْتَدَّةٌ بائنٌ من نكاحٍ، فلَزِمَها الإِحْدادُ، كالمُتَوَفَّى عنها زَوْجُها؛ وذلك لأنَّ العِدَّةَ تُحَرِّمُ النِّكاحَ، فحَرَّمَتْ (٢) دَوَاعِيَه. ويُخَرَّجُ على هذا الرجْعِيَّةُ، فإنَّها زَوْجَةٌ، والمَوْطوءةُ بشُبْهةٍ ليست مُعتّدةً من نِكاحٍ، فلم تَكْمُلِ الحُرْمَةُ. فأمَّا الحديثُ، فإنَّما مَدْلُولُه تحريمُ الإِحْدادِ على مَيِّتٍ غيرِ الزَّوجِ، ونحنُ نَقُولُ


(٧٩) في ب، م: "منها".
(١) تقدم تخريجه في صفحة ١٩٣.
(٢) في الأصل: "فتحرم".

<<  <  ج: ص:  >  >>