للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثَّوْرىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ، وإسحاقَ، وهو قولٌ للشَّافِعِىِّ. والرِّوايةُ الثانيةُ، حُكْمُه حكمُ اللَّائطِ سواءً. وقال الحسن: حَدُّه حَدُّ الزَّانِى. وعن أبي سَلَمَةَ بنِ عبد الرحمنِ: يُقْتَلُ هو والبهيمةُ؛ لقولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَتَى بَهِيمَةً، فاقْتُلُوهُ، واقْتُلُوهَا مَعَهُ". روَاه أبو داودَ (١). ووَجْهُ الرِّوَايةِ الأُولَى، أنَّه لم يَصِحُّ فيه نَصٌّ، ولا يُمْكِنُ قياسُه على الوَطْءِ في فَرْجِ الآدَمِىِّ؛ لأنَّه لا حُرْمَةَ لها، وليس بمَقْصودٍ يُحْتاجُ في الزَّجْرِ عنه إلى الحَدِّ، فإنَّ النُّفُوسَ تَعافُه، وعَامَّتُها تَنْفِرُ منه، فَبَقِىَ على الأصْلِ في انْتفاءِ الحَدِّ، والحديثُ يرْويه عمرُو بنُ أبى عمرٍو، ولم يُثْبِتْهُ أحْمَدُ. وقال الطَّحَاوِىُّ: هو ضَعِيفٌ. ومذهبُ ابنِ عَبَّاسٍ خِلَافُه، وهو الذي رُوِىَ عنه. قال أبو داودَ: هذا يُضْعِفُ الحديثَ عنه، قال إسماعيلُ بنُ سعيدٍ: سألتُ أحمدَ عن الرجلِ يأْتِى البهيمةَ، فوقفَ عندَها، ولم يُثْبِتْ حديثَ عمرِو بنِ أبي عمرٍو في ذلك. ولأنَّ الحَدَّ يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، فلا يجوزُ أن يَثْبُتَ بحديثٍ فيه هذه الشُّبْهَةُ والضَّعْفُ. وقولُ الْخِرَقِىِّ: أُدِّبَ، وأُحْسِنَ أَدَبُه. يعني يُعَزَّرُ، ويُبَالَغُ في تَعْزيرِه؛ لأنَّه وَطْءٌ في فَرْجٍ مُحَرَّمٍ، لا شُبْهَةَ له فيه، لم يُوجِبِ الحَدَّ، فأوْجَبَ التَّعْزيرَ، كوَطْءِ المَيِّتَةِ.

فصل: ويجبُ قتلُ البهيمةِ. وهذا قولُ أبى سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، وأحدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِى. وسَواءٌ كانتْ مملوكةً له أو لغيرِه، مأكولةً أو غيرَ مأكولةٍ. قال أبو بكرٍ: الاخْتيارُ قَتْلُها، وإن تُرِكَتْ فلا بأسَ. وقال الطَّحَاوِىُّ: إن كانتْ مأكولةً ذُبِحَتْ، وإلا لم تُقْتَلْ. وهذا قولٌ ثانٍ للشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن ذَبْحِ الحيوانِ لغيرِ مَأْكَلَةٍ (٢).


(١) في: باب في من أتى بهيمة، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٦٨.
كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في من يقع على البهيمة، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٣٨. وابن ماجه، في: باب من أتى ذات مَحْرَم ومن أتى بهيمة، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٥٦. والإِمام أحمد في: المسند ١/ ٢٦٩، ٣٠٠. والبيهقي، في: باب من أتى بهيمة، من كتاب الحدود. السنن الكبرى ٨/ ٢٣٤.
(٢) أخرجه مالك، في: باب النهى عن قتل النساء والولدان في الغزو، من كتاب الجهاد. الموطأ ٢/ ٤٤٧، ٤٤٨. والبيهقي، في: باب ترك قتال من لا قتال فيه من الرهبان. . ., من كتاب السير. السنن الكبرى ٩/ ٨٩، ٩٠. وابن أبى شيبة، في: باب من ينهى عن قتله في دار الحرب، من كتاب الجهاد. المصنف ١٢/ ٣٨٣، ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>