للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَتَى بَهِيمَةً، فاقْتُلُوهُ، واقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ". ولم يُفَرِّقْ بينَ كونِها مأكولةً أو غيرَ مأكولَةٍ، ولا بين مِلْكِهِ وملكِ غيرِه. فإن قِيلَ: الحديثُ ضَعِيفٌ، ولم يَعْمَلُوا به في قَتْلِ الفَاعِلِ الجَانِى، ففى حَقِّ حيوانٍ لا جِنَايةَ منه أوْلَى. قُلْنا: إنَّما [لم] (٣) يُعْمَلْ به في قتلِ الفاعلِ على إحْدَى الرِّوايتين، لِوَجْهَينِ؛ أحدُهما، أنَّه حَدٌّ، والحدودُ تُدْرَأُ بالشُّبهات، وهذا إتْلافُ مالٍ، فلا تُؤَثِّرُ الشُّبْهَةُ فيه. والثانى، أنَّه إتْلافُ آدَمِىٍّ، وهو أعظمُ المخلوقاتِ حُرْمَةً، فلم يَجُزِ التَّهَجُّمُ على إتْلافِه إلَّا بدليلٍ في غايةِ القُوَّةِ، ولا يَلْزَمُ مثلُ هذا في إتْلافِ مالٍ، ولا حيوانٍ سِوَاهُ. إذا ثبتَ هذا، فإنَّ الحيوانَ إنْ كانَ للفاعلِ، ذهبَ هَدْرًا، وإن كانَ لغيرِه، فعلَى الفاعلِ غَرامتُه له (٤)؛ لأنَّه سَببُ إتْلافِه، فيَضْمَنُه (٥)، كما لو نَصَب له شَبَكَةً فتَلِفَ بها. ثم إنْ كانَتْ مَأْكولةً، فهل يُباحُ أكْلُها؟ على وَجْهَين. وللشَّافِعِىِّ أيضًا في ذلك وَجْهانِ؛ أحدُهما، يَحِلُّ أكْلُها؛ لقولِ اللهِ تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} (٦). ولأنَّه حيوانٌ من جِنْسٍ يجوزُ أكلُه، ذَبَحَهُ مَنْ هو من أهلِ الذَّكاةِ، فحلَّ أكْلُه، كما لو لم يُفْعَلْ به هذا الفعلُ، ولكن يُكْرَهُ أكلُه؛ لشُبْهَةِ التَّحْريمِ. والوَجْهُ الثاني، لا يَحِلُّ أَكْلُها؛ لما رُوِىَ عن ابنِ عباسٍ، أنَّه قيلَ له: ما شأنُ البَهيمةِ؟ قال: ما أُراه قال ذلك، إلَّا أنَّه كَرِهَ أكْلَها وقد فُعِلَ بها ذلك الفِعْلُ. ولأنَّه حيوانٌ يجبُ قَتْلُه، لِحَقِّ اللهِ تعالى، فلم يَجُزْ أكلُه، كسائرِ المقتُولاتِ. واخْتُلِفَ في عِلَّةِ قتلِها، فقيل: إنَّما قُتِلَتْ لِئَلَّا يُعَيَّرَ فاعلُها، ويُذَكَّرَ برُؤْيَتِها. وقد رَوَى ابنُ بَطَّةَ، بإسْنادِه عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقتُلُوه، واقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ". قالوا: يا رسولَ اللَّه ما بالُ البَهِيمةِ؟ قال: "لَا يُقَالُ هَذِهِ وَهَذِهِ" (٧). وقيل: لِئَلَّا تَلِدَ خَلْقًا مُشَوَّهًا. وقيل: لِئَلَّا تُؤْكَلَ. وإليها أشارَ ابنُ عباسٍ في تَعْليلِه. ولا


(٣) تكملة يتم بها المعنى.
(٤) سقط من: م.
(٥) في الأصل: "فضمنه".
(٦) سورة المائدة ١.
(٧) وأخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في من يقع على البهيمة، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٣٨. والبيهقي، في: باب من أتى بهيمة، من كتاب الحدود. السنن الكبرى ٨/ ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>