للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّه قال: ما أجِدُ لَكم أوْسَعَ ممَّا جَعَلَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحَبَّانَ، جَعَلَ له الخِيارَ ثَلاثةَ أيَّامٍ، إنْ رَضِى أخَذَ، وإنْ سَخِطَ تَرَكَ. ولأنَّ الخِيارَ يُنافِى مُقْتَضَى البَيْعِ؛ لأنَّه يَمْنَعُ المِلْكَ واللُّزُومَ وإطْلَاقَ التَّصَرُّفِ، وإنَّما جازَ لِمَوْضِعِ الحاجَةِ، فَجازَ القَلِيلُ منه، وآخِرُ حَدِّ القِلَّةِ ثَلَاثٌ، قال اللهُ تعالى: {فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} (٥) بعد قوله: {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} (٦). ولنا، أنَّه حَقٌّ يَعْتَمِدُ الشَّرْطَ، فرُجِعَ فى تَقْدِيرِه إلى مُشْتَرِطِه، كالأجَلِ، أو نقولُ: مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالعَقْدِ، فكانت إلى تَقْدِيرِ المُتَعاقِدَيْنِ كالأجَلِ. ولا يَثْبُتُ عِنْدَنا ما رُوِىَ عن عُمَرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، وقد رُوِىَ عن أنسٍ خِلافُه. وتَقْدِيرُ مالِكٍ بِالحاجَةِ لا يَصِحُّ؛ فإنَّ الحاجَةَ لا يُمْكِنُ رَبْطُ الحُكْمِ بها، لِخَفائِها واخْتِلافِها، وإنّما يُرْبَطُ بِمَظِنَّتِها، وهو الإِقدامُ، فإنَّه يَصْلُحُ (٧) أنْ يَكُونَ ضابِطًا، ورَبْطُ الحُكْمِ به فيما دُونَ الثَّلاثِ وفى السَّلَمِ والأجَلِ. وقَوْلُ الآخَرِينَ: إنّه يُنافِى مُقْتَضَى البَيْعِ. لا يَصِحُّ؛ فإنَّ مُقْتَضَى البَيْعِ نَقْلُ المِلْكِ، والخِيارُ لا يُنافِيهِ، وإنْ سلَّمنا ذلك، لكن مَتَى خُولِفَ الأصْلُ لِمَعْنًى فى مَحلٍّ وَجَبَ تَعْدِيَةُ الحُكْمِ؛ لِتَعَدِّى ذلك المَعْنَى.

فصل: ويَجوزُ شَرْطُ الخِيارِ لِكُلِّ واحِدٍ من المُتَعَاقِدَيْنِ، ويجوزُ لِأحَدِهما دونَ الآخَرِ، ويجوزُ أنْ يَشْرُطا لأحدِهِما مُدَّةً ولِلْآخَرِ دُونها؛ لأنَّ ذلك حَقُّهُما، وإنَّما جُوِّزَ رِفْقًا بهما، فَكَيْفَما تَرَاضَيا به جازَ. ولو اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وشَرَطَ الخِيارَ فى أحَدِهِما بِعَيْنِه دون الآخَرِ، صَحَّ؛ لأنَّ أكْثَرَ ما فيه أنَّه جَمَعَ بين مَبيعٍ فيه الخِيارُ، ومَبِيعٍ لا خِيارَ فيه، وذلك جائِزٌ، بِالقِياسِ على شِراءِ ما فيه شُفْعَةٌ، وما (٨) لا شُفْعَةَ فيه، فإنَّه يَصِحُّ، ويَحْصُلُ كُلُّ واحِدٍ منهما مَبِيعًا بِقِسْطِه من الثَّمَنِ. فإنْ فَسَخَ البَيْعَ مما


(٥) سورة هود ٦٥.
(٦) سورة هود ٦٤.
(٧) فى الأصل: "صلح".
(٨) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>