للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمَقْطوعُ عليه الطَّريقُ على القَاطِعِ، والمَقْتولُ وَلِيُّه على القاتلِ، والمَجْروحُ على الجارحِ، والزَّوجُ يَشْهَدُ على امرأتِه بالزِّنَى، فلا تُقْبَلُ شَهادتُه؛ لأَنَّه يُقِرُّ على نفسِه بعَداوتِه لها (٤)، لإِفْسادِها فِراشَه. فأمَّا العَداوَةُ فى الدِّينِ، كالمُسلمِ يَشْهدُ على الكافرِ، أو المُحِقِّ من أهلِ السُّنَّةِ يَشْهدُ على المُبْتدِعِ (٥)، فلا تُرَدُّ شَهادتُه؛ لأنَّ العدالةَ بالدِّينِ، والدِّينُ يَمْنعُه مِن ارْتِكابِ مَحْظورِ دينِه. وقال أبو حنيفةَ: لا تَمْنَعُ العَداوةُ الشَّهادةَ؛ لأنَّها لا تُخِلُّ بالعَدالةِ، فلا تَمْنعُ الشَّهادةَ، كالصَّداقةِ. ولنا، ما رَوَى عمرُو بنُ شُعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلا زَانٍ وَلَا زَانِيَةٍ، وَلَا ذِىِ غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ". رواه أبو داودَ (٦). الغِمْرُ: الحِقْدُ. ولأنَّ العَداوةَ تُورِثَ التُّهْمَةَ. فتَمْنَعُ الشَّهادةَ، كالقَرابَةِ القَريبةِ، وتُخالفِ الصَّداقَةَ؛ فإِنَّ فى شهادَةِ الصَّديقِ لصَديقِه بالزُّورِ نَفْعَ غَيرِه بمَضرَّةِ نَفْسِه، وَبيْعَ آخِرَتِه بدُنيا غيرِه، وشِهادةُ العَدُوِّ على عدُوِّه يَقْصِدُ بها نَفعَ نفسِه، بالتَّشفِّى مِن عَدُوِّه، فافْتَرقا. فإن قيلَ: فلِمَ قَبِلْتُم شَهادةَ المسلمين على الكُفَّارِ مع العَداوَةِ؟ قُلْنا: العَداوَةُ ههُنا دِينِيَّةٌ، والدِّينُ لا يَقْتضِى شَهادةَ الزُّورِ، ولا أن يَترُكَ دِينَه بمُوجِبِ دِينِه.

فصل: فإن شَهِدَ على رَجلٍ بحَقٍّ، فقَذَفَه المشْهودُ عليه، لم تُرَدَّ شهادتُه بذلك؛ لأنَّنا لو أَبْطلْنا شهادتَه بهذا لتمَكَّنَ كُلُّ مَشْهودٍ عليه من إبْطالٍ شَهادةِ الشَّاهدِ بأن يقْذِفَه، ويُفارِقُ ما لو طَرَأَ الفِسقُ بعدَ أداءِ الشَّهادةِ، وقَبلَ الحُكمِ، فإِنَّ رَدَّ الشَّهادةِ فيه لا يُفْضِى إلى ذلك، بل إلى عَكْسِه، ولأنَّ طَرَيانَ الفِسْقِ يُورِثُ تُهْمةً فى حالِ أداءِ الشَّهادةِ؛ لأنَّ العادةَ إسْرارُه، فظُهورُه بعدَ أداءِ الشَّهادةِ، يدُلُّ على أنَّه كان يُسِرُّه حالةَ أدائِها، وههُنا حصَلَت العَداوةُ بأمرٍ لا تُهْمةَ على الشَّاهدِ فيه (٧). وأمَّا المُحاكَمةُ فى الأمْوالِ، فليستْ بعَداوَةٍ تمْنَعُ الشَّهادةَ فى غيرِ ما حاكمَ فيه. وأمَّا قولُه: ولا جارٍّ إلى نَفْسِه. [فإنَّ الجارَّ إلى نَفْسِه] (٨) هو


(٤) سقط من: الأصل.
(٥) فى أ، ب، م: "مبتدع".
(٦) تقدم تخريجه، فى: صفحة ١٥١. وورد بنصه فى: صفحه ١٥٢.
(٧) فى الأصل، أ، ب: "فيها".
(٨) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>