للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّه بالموتِ تزولُ أملَاكُه الثابتةُ له، فكيف يتجدَّدُ له مِلكٌ؟ فلا يَدخلُ في الوصيةِ؛ لأنَّ الميتَ إنَّما يُوصِى بجُزْءٍ مِن مالِه، لا بمالِ وَرثتِه. ووجهُ الروايةِ الأولى، أنَّ الدِّيَةَ تجبُ للميتِ؛ لأنَّها بدلُ نفسِه، ونفسُه له، فكذلك بَدَلُها، ولأنَّ بَدَلَ أطْرافِه في حال حياتِه له، فكذلك بَدَلُها بعدَ موتِه، ولهذا نَقْضِى منها دُيونَه، ويُجهَّزُ منها إن كان قبلَ تجهيزِه، وإنما يزولُ من أمْلاكِه ما اسْتَغْنَى عنه، فأمَّا ما تعلَّقتْ به حاجتُه فلا. ولأنَّه يجوز أن يتجدَّدَ له مِلْكٌ بعدَ الموتِ، كمَن نصَب شَبَكةً فسقطَ فيها صيدٌ بعدَ موتِه، فإنه يُمْلَكُ بحيثُ تُقضَى ديونُه منه، ويُجَهَّزُ، فكذلك دينُه؛ لأنَّ تنفيذَ وَصِيَّتِه مِن حاجتِه، فأشْبَهتْ قضاءَ دينِه.

فصل: وإن كانتِ الوَصِيَّةُ بمُعَيَّنٍ، فعلى الرِّوايةِ الأولى (١)، يُعْتَبَرُ خروجُه من [ثُلُثِ مالِه ودِيَتِه] (٢)، وعلى الأُخرَى، يُعتبَرُ خُروجُه من أصلِ مالِه دونَ دِيتِه؛ لأنَّها (٣) ليستْ من مالِه.

فصل: وإن أوصَى، ثم استفادَ مالًا قبلَ الموتِ، فأكثرُ أهلِ العلمِ يقولون: إنَّ الوَصِيَّةَ تُعتبرُ من جميعِ ما يُخْلِفُه من التِّلادِ والْمُسْتَفادِ، ويعتبرُ ثلثُ الجمِيع. هذا قولُ النَّخَعىِّ، والأوزاعىِّ، ومالكٍ، والشافعىِّ، وأبى ثورٍ، وأصحابِ الرَّأْىِ. وسواءٌ عَلِم أو لم يَعْلَمْ، وحُكىَ عن أبانَ بنِ عثمانَ، وعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، ورَبِيعةَ، ومالكٍ، لا يَدخلُ في وصيَّتِه إلَّا ما عَلِمَ، إلَّا المُدَبَّرَ فإنَّه يَدْخُلُ في كلِّ شيءٍ. ولَنا، أنَّه من مالِه، فدخلَ في وصيَّتِه، كالمعلومِ.


(١) في أ: "الأخرى".
(٢) في أ: "أصل ماله دون ديته".
(٣) في أ، م زيادة: "له".

<<  <  ج: ص:  >  >>