للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أُسْوَةً حَسَنَةً، مع أنَّها أحْرَمُ الناسِ عليه، ليس له عليها رَجْعةٌ، ولا بينهما مِيراثٌ. وقولُ عائشةَ: إنها كانت في مكانٍ وَحْشٍ. لا يَصِحُّ؛ فإنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَّلَ بغيرِ ذلك، فقال: "يا ابْنةَ آلِ قَيْسٍ، إنَّما السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ مَا كَانَ لِزَوْجِكِ عَلَيْكِ الرَّجْعَةُ". هكذا روَاه الحُمَيْديُّ (١١)، والأثْرَمُ (١٢). ولأنَّه لو صَحَّ ما قالَتْه عائشةُ أو غيرُها (١٣) من التَّأْويلِ، ما احْتاجَ عمرُ في رَدِّه إلى أن يَعْتَذِرَ بأنَّه قولُ امرأةٍ. ثم فاطمةُ صاحِبةُ القِصَّةِ، وهى أعْرَفُ بنَفسِها وبحالِها، وقد أنْكَرَتْ على مَنْ أنْكَرَ عليها، ورَدَّتْ على من رَدَّ خَبَرَها، أو تأَوَّلَه بخلافِ ظاهِرِه، فيجبُ تَقْدِيمُ قَوْلِها؛ لِمَعْرِفَتِها بنَفْسِها، ومُوافَقَتِها ظاهِرَ الخبرِ، كما في سائرِ ما هذا سَبِيلُه.

فصل: قال أصحابُنا: ولا يتعَيَّنُ المَوْضِعُ الذي تَسْكُنُه في الطَّلاقِ، سَواءٌ قُلْنا: لها السُّكْنَى. أو لم نَقُلْ، بل يتَخَيَّرُ الزَّوجُ بين إقْرارِها في المَوْضعِ الذي طَلَّقَها فيه، وبين نَقْلِها إلى مسكنِ مِثْلِها، والمُسْتَحَبُّ إقْرارُها، لقولِه تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. ولأنَّ فيه خُرُوجًا من الخلافِ، فإنَّ الذين ذكرْنا عنهم أنَّ لها السُّكْنَى، يَرَوْنَ وُجُوبَ الاعْتِدادِ عليها في منزلِها، فإن كانتْ في بَيْتٍ يَمْلِكُ الزوجُ سُكْناه، ويَصْلُحُ لمِثْلِها، اعْتَدَّتْ فيه، فإن ضاق عنهما، انْتَقَلَ عنها وتَرَكَه لها، لأنَّه يُسْتَحَبُّ سُكْناها في الموضعِ الذي طَلَّقَها فيه، وإن اتَّسَعَ الموضعُ لهما، وفى الدارِ موضعٌ لها مُنْفَرِدٌ، كالحُجْرةِ أو عُلْوِ الدارِ أو سُفْلِها، وبينهما بابٌ مُغْلَقٌ، سَكَنَتْ فيه، وسكنَ الزَّوْجُ في الباقِى، لأنَّهما كالحُجْرَتَينِ المُتَجاوِرَتَيْنِ، وإن لم يكُنْ بينهما بابٌ مُغْلَقٌ، لكن لها موضعٌ تَتَسَتَّرُ فيه، بحيث لا يَراها، ومعها مَحْرَمٌ تَتَحَفَّظُ به، جاز؛ لأنَّ مع المَحْرَمِ يُؤْمَنُ الفَسادُ، ويُكْرَهُ في الجملةِ؛ لأنَّه لا يُؤْمَنُ النَّظَرُ، وإن لم يكُنْ معها مَحْرَمٌ، لم يَجُزْ؛ لقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ


(١١) في ب، م: "الحميد".
(١٢) وأخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ٣٧٣، ٤١٧.
(١٣) في أ، ب: "وغيرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>