للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالْمَعارِيضِ، وبيانُ احْتِمالِ اللَّفْظِ، أنَّه يسُوغُ فى كلامِ العَرَبِ التَّعْبِيرُ بالخاصِّ عن العامِّ، قال اللَّه تعالى: {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (٣). {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} (٤). {فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} والقِطْميرُ: لُفافَةُ النَّواةِ. والفَتِيلُ: ما فى شَقّها. والنَّقِيرُ: النّقْرَةُ التى فى ظَهْرِها. ولم يُرِدْ ذلك بعَيْنِه، بل نَفَى كلَّ شىءٍ، وقال الحُطَيْئَةُ (٥) يهْجُو بنى العَجْلان:

* وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ *

ولم يُرِدِ الحَبَّةَ بعَيْنِها، إنَّما أرادَ لا يَظْلِمُونَهم شيئًا. وقدْ يُذْكَرُ العامُّ ويُرادُ به الخاصُّ، كقولِه تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} (٦) -يعنى رجلًا واحدًا-. {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} (٦). يعنى أبا سفيان. وقال تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} (٧). ولم يُرِدِ السماءَ والأرْضَ (٨) ولا مَساكِنَهم. وإذا احْتَمَلَه اللَّفْظُ، وَجَبَ صَرْفُ اليَمِينِ إليه؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّما لِامْرِئٍ مَا نَوَى" (٩). ولأَنَّ كلامَ الشارِعِ يُحْمَلُ على مرادِه به (١٠)، إذا ثَبَتَ ذلك بالدَّليلِ، فكذلك كلامُ غيرِه. وقَوْلُهم: إِنَّ الحِنْثَ مُخالَفَةُ ما عُقِدَ عليه اليَمِينُ. قُلْنا: وهذا كذلك، [فإن اليَمِينَ] (١١) انْعَقَدَتْ (١٢) على ما نَواهُ، ولَفْظُه مصروفٌ إليه، وليستْ هذه نِيَّةً مُجَردةً، بل لفظٌ مَنْوِىٌّ به ما يَحْتَمِلُه.

فصل: ومِنْ شَرْطِ انْصِرافِ اللَّفْظِ إلى ما نَواهُ، احْتمالُ اللَّفْظِ له، فإنْ نَوَى ما لا يَحْتَمِلُه اللّفْظُ، مثل أَنْ يحْلِفَ لا يأْكُلُ خُبْزًا، يَعْنِى به لا يَدْخُلُ بيتًا، فإِنَّ يَمِينَه لا


(٣) سورة فاطر ١٣.
(٤) سورة النساء ٤٩.
(٥) كذا نسبه إلى الحطيئة، وهو للنجاشى، وتقدم فى: ١٠/ ٣٦٢.
(٦) سورة آل عمران ١٧٣.
(٧) سورة الأحقاف ٢٥.
(٨) فى أ، ب: "ولا الأرض".
(٩) تقدم تخريجه، فى: ١/ ١٥٦.
(١٠) سقط من: م.
(١١) فى م: "فإنما".
(١٢) فى م زيادة: "عليه اليمين".

<<  <  ج: ص:  >  >>