للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن رجعُوا (٢٨) عن الشَّهادةِ، أو واحدٌ منهم، فعلى جميعِهم الحَدُّ، في أصَحِّ الرِّوايتَيْنِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ. والثَّانيةُ، يُحَدُّ الثلاثةُ دونَ الرَّاجعِ. وهذا اخْتيارُ أبى بكرٍ وابنِ حامدٍ؛ لأنَّه إذا رجعَ قَبْلَ الحَدِّ، فهو كالتَّائِبِ قبلَ تَنْفيذِ الحُكْمِ بَقْولِه، فيَسْقُطُ عنه الحَدُّ، ولأنَّ في دَرْءِ الحَدِّ عنه تَمْكِينًا له من الرُّجوعِ الذي يحصُلُ به مصلحةُ المَشْهودِ عليه، وفى إيجابِ الحَدِّ عليه زَجْرٌ له عن الرُّجُوعِ، خَوْفًا من الحَدِّ، فتَفُوتُ تلك المصلحةُ، وتتحَقَّقُ المَفْسدةُ، فناسَبَ ذلك نَفْىَ الحَدِّ عنه. وقال الشَّافِعِىُّ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ دونَ الثلاثةِ؛ لأنَّه مُقِرٌّ على نفسِه بالكَذِبِ في قَذْفِه، وأمَّا الثلاثةُ فقد وَجَبَ الحَدُّ [بَشَهادتِهم، وإنَّما سقطَ بعدَ وُجوبِه برُجوعِ الرَّاجِعِ، ومن وجبَ الحَدُّ] (٢٩) بشهادتِه، لم يكُنْ قاذِفًا، فلم يُحَدَّ، كما لو لم يَرجِعْ. ولَنا، أنَّه نَقَصَ العددُ بالرُّجوعِ قبلَ إقامةِ الحَدِّ، فلَزِمَهم الحَدُّ، كما لو شَهِدَ ثلاثةٌ، وامتنعَ الرابعُ من الشَّهادةِ. وقولُهم: وجبَ الحَدُّ بشهادتِهم. يَبْطُلْ بما إذا رَجَعُوا كلُّهم، وبالرَّاجعِ وَحْدَه، فإنَّ الحَدَّ وَجَبَ ثم سقطَ، ووجبَ الحَدُّ عليهم بسُقوطِه، ولأنَّ الحَدَّ إذَا وجبَ على الرَّاجعِ مع المَصْلَحةِ في رُجوعِه، وإسْقاطِ الحَدِّ عن المَشْهودِ عليه بعدَ وُجوبِه، وإحيائِه المشْهودَ عليه بعدَ إشْرافِه على التَّلَفِ، فعلى غيرِه أَوْلَى.

فصل: وإذا شهدَ اثنانِ أنَّه زَنَى بها في هذا البيتِ، واثنانِ أنَّه زَنَى بها في بيتٍ آخرَ، أو شَهِدَ كُلُّ اثْنَيْن عليه بالزِّنَى في بلدٍ غيرِ البلدِ الذي شَهِدَ به صاحباهُما، أو اختلَفُوا في اليومِ، فالجميعُ قَذَفَةٌ، وعليهم الحَدُّ. وبهذا قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ. واختارَ أبو بكرٍ أنَّه لا حَدَّ عليهم. وبه قال النَّخَعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ؛ لأنَّهم كَمَلُوا أربعةٌ. وَلَنا، أنَّه لم يَكْمُلْ أربعةٌ على زِنًى واحدٍ، فوجبَ عليهم الحَدُّ، كما لو انْفَردَ [بالشهادَةِ اثنان] (٣٠) وحدَهما، فأمَّا المَشْهُودُ عليه، فلا حَدَّ عليه في قولِهِم جميعًا. وقال أبو بكر:


(٢٨) في م: "راجعوا".
(٢٩) سقط من: ب. نقل نظر.
(٣٠) في م: "بالشهادة واثنان".

<<  <  ج: ص:  >  >>