للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه؛ فإنَّ أَقَرَّ أَنَّه قَبَضَه، وكان الدَّفْعُ فى دَيْنٍ، فقد بَرِىءَ الكُلُّ، وإن أَنْكَرَ، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه. وقد ذَكَرَ أصحابُنا أنَّ الدافِعَ يَضْمَنُ؛ لكَوْنِه قَضَى الدَّيْنَ بغيرِ بيِّنةٍ، ولا يَجبُ اليَمينُ على صاحِبِ الوَديعةِ؛ لأنَّ المُودَعَ مُفرِّطٌ، لكَوْنِه أذِنَ فى قَضاءٍ يُبَرِّئُه من الحَقِّ ولم يَبْرَأُ بدَفْعِه، فكان ضامِنًا، سَواءٌ صَدَّقَه أو كَذَّبَه. وإن أمَرَه بدَفْعِه وَدِيعةً، لم يَحْتَجْ إلى بَيِّنَةٍ؛ لأنَّ المُودَعَ يُقْبَلُ قولُه فى التَّلَفِ والرَّدِّ، فلا فائدةَ فى الإِشْهادِ عليه. فعلى هذا يَحْلِفُ المُودَعُ، وَيَبْرَأُ، ويَحْلِفُ الآخرُ وَيَبْرَأُ أيضًا، ويكونُ ذَهابُها من مَالِكِها.

فصل: وإذا أُودِعَ بَهِيمةً، فأمَره صاحِبُها بعَلْفِها وسَقْيِها، لَزِمَه ذلك لوجهينِ؛ أحدهما، لحُرْمةِ صاحِبِها؛ لأنَّه أخَذَها منه على ذلك. والثانى، لحُرْمةِ البَهيمةِ، فإنَّ الحيوانَ يَجِبُ إحياؤُه بالعَلْفِ والسَّقْىِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَلْزَمَه عَلْفُها، إلَّا أن يَقْبَلَ ذلك؛ لأنَّ هذا تَبَرُّعٌ منه، فلا يلزمُه بمُجَرَّدِ أَمرِ صاحِبِها، كغيرِ الوَديعةِ. وإن أطْلَقَ ولم يأْمُرْه بعَلْفِها، لَزِمَه ذلك أيضًا. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَلْزَمَه ذلك. وبه قال أبو حنيفةَ؛ لأنَّه اسْتَحْفظَه إيَّاها، ولم يأمُرْ بعَلْفِها، والعَلْفُ على مالِكِها، فإذا لم يَعْلِفْها كان هو المُفَرِّطَ فى مالِه. ولَنا، أنَّه لا يجوزُ إتْلافُها، ولا التَّفريطُ فيها، فإذا أمَرَه بحِفْظِها تَضَمَّنَ ذلك عَلْفَها وسَقْيَها، ثمَّ نَنْظُرُ؛ فإنَّ قَدَرَ المُسْتَوْدَعُ على صاحِبِها أو وَكِيلِه، طالَبه بالإِنْفاقِ عليها، أو بِرَدِّها عليه، أو يَأْذَنُ له فى الإِنْفَاقِ عليها ليَرْجِعَ به. فإنْ (١٨) عَجَزَ عن صاحِبِها أو وكيلِه، رفَع (١٩) الأمرَ إلى الحاكمِ، فإنَّ وَجَدَ لصاحِبِها مالًا أَنْفَقَ عليها منه، وإن لم يَجِدْ مالًا فَعَلَ ما يَرَى لصاحِبها الحَظَّ فيه، من بَيْعِها، أو بَيْعِ بعضِها وإنْفاقِه عليها، أو إجارَتِها، أو الاسْتِدانةِ على صاحِبِها من بيتِ المالِ، أو من غيرِه، ويَدْفَعُ ذلك إلى المُودَعِ إن رأى (٢٠) ذلك ليُنْفِقَه عليها، وإن رأى دَفْعَه إلى غيرِه ليتولَّى الإِنفاقَ عليها، جازَ. وإن اسْتدانَ من المُودَعٍ، جاز أن يَدْفَعَه إليه ليتوَلَّى الإنفاقَ عليها؛ لأنَّه أمِينٌ عليها. ويجوزُ أن يَأذَن له الحاكمُ فى أن يُنْفِقَ عليها من مالِه،


(١٨) فى م: "فإذا".
(١٩) فى م: "دفع".
(٢٠) فى م: "أراد".

<<  <  ج: ص:  >  >>