للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن أقَرَّ لِوَارِثٍ، فصارَ غيرَ وارِثٍ كرجلٍ أقَرَّ لأَخِيهِ ولا وَلَدَ له، ثم وُلِدَ له ابْنٌ، لم يَصِحّ إِقْرَارُه له. وإن أقَرَّ لغيرِ وارِثٍ، ثم صارَ وارِثًا، صَحَّ إِقْرَارُه له (٦). نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ: إذا أقَرَّ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ في المَرَضِ، ثم تَزَوَّجَها، جَازَ إِقْرَارُه؛ لأنَّه غيرُ مُتَّهَمٍ. وحُكِىَ له قولُ سُفْيَانَ في رَجُلٍ له ابْنَانِ، فأقَرَّ لأَحَدِهِمَا بِدَيْنٍ في مَرَضِه، ثم ماتَ الابْنُ، وتَرَكَ ابْنًا، والأَبُ حَىٌّ، ثم ماتَ بعد ذلك، جَازَ إقْرَارُه. فقال أحمدُ: لا يجوزُ. وبهذا قال عثمانُ البَتِّىُّ. وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ رِوَايةً أُخْرَى في الصُّورَتَيْنِ مُخَالِفَةً لما قُلْنا. وهو قول سُفْيَانَ الثَّوْرِىّ، والشّافِعِىّ؛ لأنَّه مَعْنًى يُعْتَبَرُ فيه عَدَمُ المِيرَاثِ، فكان الاعْتِبَارُ فيه بِحَالَةِ المَوْتِ، كالوَصِيَّةِ. ولَنا، أنَّه قولٌ تُعْتَبَرُ فيه التُّهْمَةُ، فاعْتُبِرَتْ حالَ وُجُودِه دونَ غيرِه، كالشَّهَادَةِ، ولأنَّه إذا أقَرَّ لغير وارِثٍ، ثَبَتَ الإِقْرَارُ، وصَحَّ؛ لِوُجُودِه من أهْلِه خَالِيًا عن تُهْمَةٍ، فيَثْبُتُ الحَقُّ به، ولم يُوجَدْ مُسْقِطٌ له، فلا يَسْقُطُ. وإذا أقَرَّ لِوَارِثٍ، وَقَعَ باطِلًا؛ لِاقْتِرَانِ التُّهْمَةِ به، فلا يَصِحُّ بعدَ ذلك، ولأنَّه إِقْرَارٌ لِوَارِثٍ، فلم يَصِحَّ، كما لو اسْتَمَرَّ (٧) المِيرَاثُ. وإن أقَرَّ لغيرِ وارِثٍ، صَحَّ، واسْتَمَرَّ، كما لو اسْتَمَرَّ عَدَمُ الإِرْثِ. أمَّا الوَصِيَّةُ، فإنَّها عَطِيَّةٌ بعد المَوْتِ، فاعْتُبِرَتْ فهِا حالَةُ المَوْتِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.

فصل: وإن أقَرَّ لِوَارِثٍ وأَجْنَبِىٍّ، بَطَلَ في حَقِّ الوَارِثِ، وصَحَّ في حَقِّ الأَجْنَبِىِّ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ في حَقِّ الأَجْنَبِىِّ، كما لو شَهِدَ بِشَهَادَةٍ يَجُرُّ إلى نَفْسِه بعضَها، بَطَلَتْ شَهَادَتُه في الكُلِّ، وكما لو شَهِدَ لِابْنِه وأَجْنَبِىٍّ. وقال أبو حنيفةَ: إن أقَرَّ لهما بِدَيْنٍ من الشَّرِكَةِ، فاعْتَرَفَ الأَجْنَبِىُّ بالشَّرِكَةِ، صَحَّ الإِقْرَارُ لهما، وإن جَحَدَها، صَحَّ له دُونَ الوَارِثِ. ولَنا، أنَّه إِقْرَارٌ لِوَارِثٍ وأَجْنَبِىٍّ، فيَصِحُّ لِلأَجْنَبِىِّ دون الوَارِثِ، كما لو أقَرَّ بِلَفْظَيْنِ، أو كما لو جَحَدَ الأَجْنَبِىُّ الشَّركِةَ. ويُفَارِقُ (٨) الإِقْرَارُ الشَّهَادَةَ؛ لِقُوَّةِ الإِقْرَارِ،


(٦) سقط من: الأصل.
(٧) في م: "يستمر".
(٨) في ب: "وفارق".

<<  <  ج: ص:  >  >>