للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمُعَيَّنَةَ، والوِتْرُ، وسُجُودُ التِّلَاوَةِ، وقد كانَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُوتِرُ على بَعِيرِهِ، وكَانَ يُسَبِّحُ على بَعِيرِهِ إلَّا الفَرَائِض. مُتَّفَقٌ عليْهِما (١٩).

فصل: فأمَّا الماشِى في السَّفَرِ، فَظَاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ أنَّه لا تُباحُ له الصَّلَاةُ في حالِ مَشْيِه؛ لقَوْلِه: "ولا يُصَلِّى في غيرِ هاتَيْنِ الحالَتَيْنِ فَرْضًا، وَلَا نَافِلَةً، إلَّا مُتَوَجِّهًا إلى الكَعْبَةِ". وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أحمدَ؛ فإنَّهُ قال: ما أعْلَمُ أحَدًا قال في الماشِى يُصَلِّى، إلَّا عَطَاء، ولا يُعْجبُنِى أنْ يُصَلِّىَ المَاشِى. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ. والرِّوايةُ الثَّانِيةُ، له أنْ يُصَلِّىَ ماشيًا. نَقَلَها مُثَنَّى بنُ جَامِعٍ (٢٠)، وذكَرَها (٢١) القاضي وغيرُه. وعليه أنْ يَسْتَقْبِلَ القبْلَةَ لِافْتِتَاحِ الصلاةِ، ثم يَنْحَرِفَ إلى جِهَةِ سَيْرِهِ، ويَقْرَأ وهو ماشٍ، ويرْكَعَ ثم يَسْجُدَ على الأرض. وهذا مَذْهَبُ عَطَاءٍ، والشافعِىِّ. وقال الآمدِىُّ: يُومِىءُ بِالرُّكُوع والسُّجُودِ، كالرَّاكِبِ؛ لأنَّها حَالَةٌ أُبِيحَ فيها تَرْكُ الاسْتِقْبَالِ، فلم يَجِبْ عليه الرُّكُوعُ والسُّجُودُ كالرَّاكِبِ. وعلى قَوْلِ القاضي: الرُّكُوعُ والسُّجُودُ مُمْكِنٌ مِنْ غيرِ انْقِطَاعِهِ عن جِهَةِ سَيْرِه، فَلَزِمَهُ، كالْوَاقِفِ (٢٢). واحْتَجُّوا بأنَّ الصلاةَ أُبِيحَتْ لِلرَّاكِبِ، [كىْ لا] (٢٣) يَنْقَطِعَ عن القَافِلَةِ في السَّفَر، وهذا المَعْنَى مَوْجُودٌ في الماشِى، ولأنَّه إحْدَى حَالَتَىْ سَيْرِ المُسَافِرِ، فأُبِيحَت الصَّلَاةُ فيها كَالأُخْرَى. ولَنا، أنَّه لم يُنْقَلْ، ولا هو في مَعْنَى المَنْقُولِ؛ لأنَّه يَحْتَاجُ إلى عَمَلٍ كثِيرٍ، ومشْىٍ مُتَتَابِعٍ، يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، ويَقْتَضِى بُطْلَانَها، وهذا غيرُ مَوْجُودٍ في الرَّاكِبِ، فلم يصِحَّ إلْحَاقُه بِه، ولِأنَّ قولَهُ تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (٢٤) عامٌّ تُرِكَ في مَوْضِعِ الإِجماعِ، بِشُرُوطٍ مَوْجُودَةٍ ههُنا، فَيَبْقَى وجُوبُ الاسْتِقبَالِ فيما عَدَاهُ على مُقْتَضَى العُمُومِ.


(١٩) وتقدما في صفحة ٩٦.
(٢٠) أبو الحسن مثنى بن جامع الأنبارى، كان ورعا جليل القدر، وكان الإمام أحمد يعرف قدره وحقه، ونقل عنه مثنى مسائل حسانا. طبقات الحنابلة ١/ ٣٣٦، ٣٣٧.
(٢١) في الأصل: "وذكره".
(٢٢) في م: "كالوقف".
(٢٣) في م: "لئلا".
(٢٤) سورة البقرة ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>