للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإِنْ أشارَ إليه، ففيه وَجْهان؛ قال القاضِى: يَحْنَثُ؛ لأنَّه فى مَعْنَى المُكاتَبَةِ والمراسَلَةِ فى الإِفْهامِ. والثانى، لا يَحْنَثُ. ذكرَه أبو الخَطَّاب؛ لأنَّه ليس بكلامٍ، قال اللَّه تعالى لمريمَ عليها السلام: {فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} (١٧). إلى قوله: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} (١٧). وقال فى زكَرِيَّا: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}. إلى قوله: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} (١٨). ولأَنَّ الكلامَ حروفٌ وأَصْواتٌ، ولا يُوجَدُ فى الإِشارَةِ، ولأَنَّ الكلامَ شىءٌ مسْموعٌ، وتَبْطُلُ به الصَّلاةُ، قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ صَلاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَىْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ" (١٩). والإِشارةُ بخلافِ هذا. فإنْ قيل: فقد قال اللَّه تعالى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا}. قُلْنا: هذا اسْتِثْناءٌ من غيرِ الجِنْسِ، بدليلِ ما ذَكَرْنا، وصِحَّةِ نَفْيِه عنه، فيقال: ما كَلَّمَه، وإنَّما أشارَ إليه.

فصل: فإنْ كلَّم غيرَ المحْلوفِ عليه، بقَصْدِ إسماعِ المحْلوفِ عليه، فقال أحمدُ: يَحْنَثُ؛ لأنَّه قد أرادَ تكْلِيمَه، وقد رَوَيْنا عن أبى بَكْرةَ نُفَيْع بِن الحارِثِ، أنَّه كان قد حَلَفَ أَنْ لا يُكَلِّمَ أخاه زيِادًا، فلما أرادَ زيادٌ الحَجَّ، جاء أبو بَكْرةَ إلى قَصْرِ زِيادٍ، [فدَخَلَه، وأخَذَ] (٢٠) بُنَيًّا لزيادٍ صغيرًا فى حِجْرِه، ثم قال: يا ابنَ أَخِى؛ إِنَّ أباكَ يُرِيدُ الحَجَّ، ولعلَّه يَمُرُّ بالمدِينَةِ، فيدْخُلُ على أُمِّ حَبِيبةَ زوجِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا النَّسَبِ الذى ادَّعاه، وهو يعْلَمُ أنَّه ليس بصحيحٍ، وأنَّ هذا لا يحلُّ له. ثم قامَ فخرَجَ (٢١). وهذا يدلُّ على أنَّه لم يَعْتَقِدْ ذلك تكليمًا له. ووِجْهُ الأَوَّلِ, أنَّه أسْمَعَه كلامَه (٢٢) قاصِدًا لإِسْماعِه وإفْهامِه, فأشْبَهَ ما لو خاطَبَه به (٢٣). وقال الشاعِرُ:

* إيّاكِ أَعْنِى واسْمَعِى يا جَارَهْ (٢٤) *


(١٧) سورة مريم ٢٦ - ٢٩، ولم يرد فى الأصل: {فقولى}.
(١٨) سورة مريم ١٠، ١١.
(١٩) تقدم تخريجه، فى: ٢/ ٢٣٦.
(٢٠) فى م: "فدخل فأخذ".
(٢١) تقدم تخريجه، فى: ١٠/ ٤٦٤.
(٢٢) فى الأصل: "كلاما".
(٢٣) سقط من: ب، م.
(٢٤) فى ب: "إياك يعنى". وفى م: "فاسمعى". وتقدم فى: ١٠/ ٤٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>