للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} (٧). وقال: {يَامُوسَى إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِى وَبِكَلَامِي} (٨). وقال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (٩). ولو كانت الرِّسالَةُ تَكْليمًا، لَشارَكَ موسى غيرُه من الرُّسُلِ، ولم يَخْتَصَّ بكونِه كليمَ اللَّهِ ونَجِيَّه. وقد قال أحمدُ، حينَ ماتَ بِشْرٌ الحافِى: لقد كان فيه أُنْسٌ، وما كَلَّمْتُه قَطُّ. وقد كانتْ بينهما مُراسَلَةٌ، وممَّنْ قال: لا يَحْنَثُ بهذا. الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، وابنُ المُنْذِر، والشافِعِىُّ فى الجديدِ. واحْتَجَّ أصحابُنا بقولِه تعالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ} (١٠). فاسْتَثْنَى الرسولَ من التَّكْلِيمِ (١١)، والأصلُ أَنْ يكونَ المُسْتَثْنَى جنْسَ المُسْتَثْنَى منه، ولأَنَّه وُضِعَ لإِفْهامِ الآدَمِيِّينَ، أشْبَهَ الخِطابَ. والصَّحِيحُ أَنَّ هذا ليسَ بتَكْلِيمٍ (١٢)، وهذا الاسْتِثناءُ من غيرِ الجِنْس، كما قال فى الآيةِ الأُخْرَى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} (١٣). والرَّمْزُ ليس بتَكْلِيمٍ (١٢)، لكن إِنْ نَوَى تَرْكَ مُواصَلَتِه، أو كان سَبَبُ يَمِينِه يَقْتَضِى هِجْرانَه، حَنِثَ؛ لذلك، ولذلك قال أحمدُ: إِنَّ الكتابَ يجْرِى مَجْرَى الكلامِ، وقد يكونُ بمَنْزِلَةِ الكلامِ. فلم يجْعَلْه كلامًا، إنَّما قال هو بمَنْزِلَتِه فى بعضِ الحالاتِ إذا كان السَّبَبُ يَقْتَضِى ذلك. وإذا أطْلَقَ، احْتَمَلَ أَنْ لا يَحْنَثَ؛ لأنَّه لم يُكَلِّمْه. واحْتَمَلَ أَنْ يَحْنَثَ؛ لأنَّ الغالِبَ من الحالفِ هذه (١٤) اليَمِينَ قصدُ (١٥) تَرْكِ المُواصَلَةِ، فيتعَلَّقُ (١٦) يَمِينُه بما يُرادُ فى الغالِبِ، كقَوْلِنا فى المسألَةِ قبلَها. واللَّه أعلمُ.


(٧) سورة البقرة ٢٥٣.
(٨) سورة الأعراف ١٤٤.
(٩) سورة النساء ١٦٤.
(١٠) سورة الشورى ٥١، ولم يرد فى الأصل، أ، ب: {فيوحى}.
(١١) فى ب، م: "التكلم".
(١٢) فى أ، ب، م: "بتكلم".
(١٣) سورة آل عمران ٤١.
(١٤) فى ب: "بهذه".
(١٥) سقط من: أ، ب.
(١٦) فى ب، م: "فتعلق".

<<  <  ج: ص:  >  >>