للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: ومِن شَرْطِ الإِكْراهِ ثلاثةُ أُمورٍ؛ أحدُها: أن يكونَ مِن قادرٍ بسُلْطانٍ، أو تَغَلُّبٍ، كاللِّصِّ ونحوِه. وحُكِىَ عَنِ الشَّعْبِىِّ: إن أكْرَهَه اللِّصُّ، لم يَقَعْ طلاقُه، وإن أكْرهَه السُّلطانُ وقَعَ. قال ابنُ عُيَيْنَةَ: لأَنَّ اللِّصَّ يَقتُلُه. وعمومُ ما ذكَرْناه فى دليلِ الإِكْراهِ يَتناولُ الجميِعَ، والذين أكْرَهُوا عَمَّارًا لم يكونوا لُصُوصًا، وقد قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمَّارٍ: "إنْ عَادُوا فعُدْ". ولأنَّه إكراهٌ، فمَنَعَ وُقوعَ الطَّلاقِ، كإكْراهِ اللِّصِّ (٧). الثَّانى، أن يَغْلِبَ على ظَنِّه نزولُ الوعيدِ به، إن لم يُجِبْه إلى ما طلَبَه. الثَّالثُ، أن يكونَ ممَّا يسْتَضِرُّ به ضررًا كثيرًا، كالقَتْلِ، والضَّربِ الشَّدِيدِ، والقَيْدِ، والحَبْسِ الطَّوِيلِ (٨)، فأَمَّا الشَّتْمُ، والسَّبُّ، فليس بإكراهٍ، روايةً واحدةً، وكذلك أخْذُ المالِ اليَسِيرِ. فأمَّا الضَّرْبُ (٩) اليَسِيرُ فإن كان فى حَقِّ مَنْ لا يُبالِى به، فليس بإكْراهٍ، وإن كان [فى بعض] (١٠) ذوِى المَرُوءاتِ، على وَجْهٍ يكونُ إخراقًا (١١) بصاحبِه، وغَضًّا له، وشُهْرةً فى حَقِّه، فهو كالضَّرْبِ الكثيرِ فى حَقِّ غيرِه. وإن تُوُعِّدَ بتَعْذيبِ وَلَدِه، فقد قِيلَ: ليس بإكْراهٍ (١٢)؛ لأنَّ الضَّررَ لاحِقٌ بغيرِه، والأَوْلَى أن يكونَ إكراهًا؛ لأنَّ ذلك عندَه أعظمُ مِن أخْذِ مالِه، والوعيدُ بذلك إكراهٌ، فكذلك هذا.

فصل: وإن أُكْرِهَ على طلاقِ امرأةٍ، فطلَّقَ غيرَها، وقعَ؛ لأنَّه غيرُ مُكْرَهٍ عليه. وإن أُكْرِهَ على طَلْقةٍ، فطلَّقَ (١٣) ثلاثًا، وقعَ أيضًا؛ لأنّه لم يُكْرَه على الثَّلاثِ. وإن طلَّقَ مَنْ أُكْرِهَ على طَلاقِها وغيرَها، وقعَ طلاقُ غيرِها دونَها. وإن خَلَصَتْ نِيَّتُه فى إيقاعِ (١٤) الطَّلاقِ


= وأورده أبو عبيد الهروى، فى: غريب الحديث ٣/ ٣٢٢.
(٧) فى ب، م: "اللصوص".
(٨) فى أ، ب، م: "الطويلين".
(٩) فى ب، م: "الضرر".
(١٠) فى م: "من" وسقط بعض من: أ، ب.
(١١) أى وصفا له بالحمق.
(١٢) فى ب، م: "باكراهه".
(١٣) فى أ: "وطلق".
(١٤) سقط من: أ، ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>