للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عينَيْه، ويقولُ: "أَخَذَكَ الْمُشْركُونَ فَغَطُّوكَ فِى الْمَاءِ، وَأَمَرُوكَ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ، فَفَعَلْتَ، فَإِنْ أخَذُوكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَافْعَلْ ذَلِكَ بِهِمْ". رَوَاه أبو حفصٍ بإسْنادِه (٢). وقال عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: ليس الرَّجلُ أمينًا على نفسِه إذا أجَعْتَه (٣)، أو ضربْتَه، أو أوثقْتَه (٤). وهذا يَقْتِضى وجودَ فعلٍ يكونُ به إكراهًا. فأمَّا الوَعِيدُ بمُفْرَدِه، فعن أحمدَ فيه رِوَايتانِ؛ إحداهما، ليس بإكْراهٍ؛ لأنَّ الذى وردَ الشَّرعُ بالرُّخْصةِ معه، هو ما وردَ فى حديثِ عمَّارٍ، وفيه أنَّهم: "أَخَذُوكَ فَغَطُّوكَ فِى الْمَاءِ". فلا يَثْبُتُ الحُكْمُ إلَّا فيما كان مثلَه. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، أَنَّ الوَعيدَ بمُفْرَدِه إكْراهٌ. قال فى روايةِ ابنِ منصورٍ: حَدُّ الإِكْراهِ إذا خافَ القَتْلَ، أو ضربًا شديدًا. وهذا قولُ أكثرِ الفقهاءِ. وبه يقولُ أبو حنيفةَ، والشَّافعىُّ؛ لأنَّ الإِكْراهَ لا يَكونُ إلَّا بالوعيد، فإنَّ الماضِىَ مِن العُقُوَبةِ لا يَنْدفِعُ بفِعْلِ ما أُكْرِهَ عليه، ولا يَخْشَى مِن وُقوعِه، وإنَّما أُبِيحَ له فِعلُ المُكْرَهِ عليه دَفْعًا لما يَتَوعَّدُه به مِنَ العقوبةِ فيما بعدُ، وهو فى الموضِعَيْنِ واحدٌ، ولأنَّه متى تَوعَّدَه بالقَتْلِ، وعَلِمَ أنَّه يَقتُلُه، فلم يُبَحْ له الفِعْلُ، أفْضَى إلى قَتْلِه، وإلْقائِه بيده إلى التَّهْلُكَةِ، ولا يُفيدُ ثُبُوتُ الرُّخْصةِ بالإِكْراهِ شيئًا؛ لأنَّه إذا طَلَّقَ فى هذه الحالِ، وقَع طلاقُه، فيَصِلُ المُكْرِهُ إلى مُرادِه، ويَقَعُ الضَّررُ بالمُكْرَهِ، وثبوتُ الإكْراهِ فى حقِّ مَن نِيلَ بشىءٍ مِنَ العذابِ لا يَنْفِى ثُبُوتَه فى حقِّ غيرِه، وقد رُوِىَ عن عُمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فى الذى تَدَلَّى يَشْتارُ عَسَلًا (٥)، فوقَفتِ امرأتُه على الحَبْلِ، وقالت: طلِّقْنِى ثلاثًا، وإلا قطَعْتُه، فذكَّرَها اللَّهَ والإِسْلامَ، فقالت: لَتَفْعَلَنَّ أو لأفْعلَنَّ. فطلَّقَها ثلاثًا، فرَدَّه إليها. رواه سعيدٌ (٦) بإسْنادِه. وهذا كان وَعِيدًا.


(٢) وأخرجه الحاكم، فى: كتاب التفسير. المستدرك ٢/ ٣٥٧. وابن جرير، فى: تفسير سورة النحل. الآية ١٠٦. تفسير الطبرى ١٤/ ١٨١، ١٨٢. وابن سعد، فى: الطبقات الكبرى ٣/ ٢٤٩.
(٣) فى ب، م: "أوجعته من الجوع".
(٤) أخرجه عبد الرزاق، فى: باب طلاق الكره [كذا]، من كتاب الطلاق. المصنف ٦/ ٤١١. كما أخرجه البيهقى، من طريق سعيد بن منصور، فى: باب ما يكون إكراها، من كتاب الخلع والطلاق. السنن الكبرى ٧/ ٣٥٩.
(٥) يشتار عسلا: يجتنيه.
(٦) فى: باب ما جاء فى طلاق المكره، من كتاب الطلاق. السنن ١/ ٢٧٤، ٢٧٥.
كما أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى طلاق المكره، من كتاب الخلع والطلاق. السنن الكبرى ٧/ ٣٥٧. =

<<  <  ج: ص:  >  >>