للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّه لا يمْكِنُه دَفْعُه إلَّا بذلك, لظاهِرِ (٤٨) الخبرِ. وقال ابنُ حامِدٍ: يدفَعُه بأسْهَلِ ما يُمْكِنُه دَفْعُه به، يقولُ (٤٩) له أوَّلًا: انْصَرِفْ. فإن لم يفعلْ، أشارَ إليه يُوهِمُه أنَّه يَحْذِفُه، فإن لم يَنْصَرِفْ، فله حَذْفُه حينئذٍ. واتِّبَاعُ السُّنَّةِ أوْلَى (٥٠). فأمَّا إنْ تَرَكَ الاطِّلاعَ ومَضَى، لم يَجُزْ رَمْيُه؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَطْعَنِ الذي اطَّلَعَ ثم انْصَرفَ، ولأنَّه تَرَكَ الجنايةَ، فأشْبَهَ مَنْ عَضَّ ثم تركَ العَضَّ، لم يَجُزْ قَلْعُ أسْنانِه. وسَواءٌ كان المطَّلَعُ منه صغيرًا، كَثَقْبٍ أَوْ شَقٍّ، أو واسِعًا، كثَقْبٍ كبيرٍ. وذكرَ بعضُ أصحابِنا أنَّ البابَ المفتوحَ كذك، والأوْلَى أنَّه لا يجوزُ حَذْفُ مَنْ نَظَرَ من بابٍ مَفْتُوحٍ؛ لأنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ تاركِ البابِ مَفْتوحًا، والظاهِرُ أنَّ مَن تَرَكَ بابَه مَفْتوحًا، أنَّه يَسْتَتِرُ، لعِلْمِه أنَّ النَّاسَ ينظرُون منه، ويَعْلَمُ بالنَّاظِرِ فيه، والواقفِ عليه، فلم يَجُزْ رَمْيُه، كداخِلِ (٥١) الدَّارِ. وإنِ اطَّلَعَ، فرَماه صاحبُ الدَّارِ، فقال المُطَّلِعُ: ما تعمَّدْتُ الاطِّلاعَ. لم يَضْمَنْه، على ظاهِرِ كلامِ أحمد؛ لأنَّ الاطِّلاعَ قد وُجِدَ، والرَّامِى لا يَعْلَمُ ما في قَلْبِه. وعلى قَولِ ابنِ حامدٍ، يَضْمَنُه؛ لأنَّه لم يَدْفَعْه بما هو أسْهَلُ. وكذك لو قال: لم أرَ شيئًا حينَ اطَّلَعْتُ. وإن كان المُطَّلِعُ أَعْمًى، لم يَجُزْ رَمْيُه؛ لأنَّه لا يَرَى شيئًا، ولو كان إنسانٌ عُرْيانًا في طريقٍ، لم يكُنْ له رَمْىُ مَن نَظَرَ إليه؛ لأنَّه المُفَرِّطُ. وإن كان المُطَّلِعُ في الدَّارِ مِن مَحارمِ النِّسَاءِ اللَّائى فيها, فقال بعضُ أصحابِنا: ليس لصاحبِ الدَّارِ رَمْيُه، إلَّا أن يَكُنَّ مُتجرِّدَاتٍ (٥٢)، فيَصِرْنَ كالأجانِب. وظاهِرُ الخبرِ أنَّ لصاحبِ الدَّارِ رَمْيَه، سَوَاءٌ كان فيها نِسَاءٌ أو لم يَكُنْ؛ لأنَّه لم يَذْكُرْ أنَّه كان في الدَّارِ التي اطَّلعَ فيها على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نِساءٌ. وقوله: "لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ، بَغْيرِ إِذْنٍ، فَحَذَفْتَه". عامٌّ في الدَّارِ التي فيها نِسَاءٌ وغيرِها.

فصل: وليس لصاحبِ الدارِ رَمْىُ النَّاظِرِ بما يقْتُلُه ابْتداءً، فإن رَماهُ بحَجَرٍ


(٤٨) في م: "الظاهر".
(٤٩) في ب، م: "فيقول".
(٥٠) في م زيادة: "فصل".
(٥١) في م: "كداخلى".
(٥٢) في ب: "مجردات".

<<  <  ج: ص:  >  >>